اثنى الله سبحانه على الذين يخرون ثم سماع كلامه, وذم من لا يقع ساجدا عنده ولذلك كان قول من أوجبه قويا في الدليل, ولما علمت السحرة صدق موسى وكذب فرعون خروا سجدا لربهم فكانت تلك السجدة أول سعادتهم وغفران ما أفنوا فيه أعمارهم من السحر.
ولذلك أخبر سبحانه عن سجود جميع المخلوقات له فقال تعالى:{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} , فأخبر عن إيمانهم بعلوه وفرقيته وخضوعهم له بالسجود تعظيما وإجلالا, وقال تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} .
فالذي حق عليه العذاب هو الذي لا يسجد له سبحانه وهو الذي أهانه بترك السجود له, وأخبر أنه لا مكرم له, وقد هان على ربه حيث لم يسجد له, وقال تعالى:{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} .
ولما كانت العبودية غاية كمال الإنسان وقربه من الله بحسب نصيبه من عبوديته وكانت الصلاة جامعة لمتفرق العبودية متضمنة لاقسامها كانت أفضل أعمال العبد ومنزلتها من الإسلام بمنزلة عمود الفسطاط منه.
وكان السجود أفضل أركانها الفعلية وسرها الذي شرعت لأجله وكان تكرره في الصلاة أكثر من تكرر سائر الأركان وجعله خاتمة الركعة وغايتها وشرع فعله بعد الركوع, فإن الركوع توطئة له ومقدمة بين يديه, وشرع فيه من الثناء على الله ما يناسبه وهو قول:"العبد سبحان ربي الأعلى". فهذا أفضل ما يقال فيه, ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أمره في السجود بغيره حيث قال:"اجعلوها في سجودكم" , ومن تركه عمدا فصلاته باطلة عند كثير من العلماء منهم الإمام أحمد وغيره؛ لأنه لم يفعل ما أمر به وكان وصف الرب بالعلو في هذه الحال في غاية المناسبة لحال الساجد الذي قد انحط إلى السفل على وجهه فذكر علو ربه في حال سقوطه وهو كما ذكر عظمته في حال خضوعه في ركوعه ونزه ربه عما لايليق به مما يضاد عظمته وعلوه. ثم