وأما احتجاجكم بتأخير النبي صلى الله عليه وسلم لها يوم الخندق نوم ولا نسيان ثم قضاها. فيقال: يالله العجب! لو أتينا نحن بمثل هذا لقامت قيامتكم وأقمتم قيامتنا بالتشنيع علينا فكيف تحتجون على تفويت صاحبه عاص لله آثم متعد لحدود مستوجب لعقابه بتفويت صدر من أطوع الخلق لله وأرضاهم له وأتبعهم لأمره, وهو مطيع لله في ذلك التأخير متبع مرضاته فيه وذلك التأخير منه صلوات الله وسلام عليه إما أن يكون نسيانا منه أو يكون أخرها عمدا, وعلى التقديرين فلا حجة لكم فيه بوجه فإنه إن كان نسيانا فنحن وسائر الأمة نقول بموجبه وأن الناسي يصليها متى ذكرها, وإن كان عامدا فهو تأخير لها من وقت إلى وقت أذن فيه كتأخير المسافر والمعذور الظهر إلى وقت العصر والمغرب إلى وقت العشاء. وقد أختلف الناس فيمن أدركته الصلاة وهو مشغول بقتال العدو على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه يصلي حال القتال على حسب حاله ولا يؤخر الصلاة. قالوا: والتأخير يوم الخندق منسوخ, وهذا هو مذهب الإمام الشافعي والإمام مالك والإمام أحمد في المشهور عنه من مذهبه.
الثاني: أنها تؤخر كما أخر النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق. وهذا مذهب أبي حنيفة. والأولون يجيبون على هذا بأنه كان قبل أن تشرع صلاة الخوف فلما شرعت صلاة الخوف لم يؤخرها بعد ذلك في غزاة واحدة. والحنيفة تجيب عن ذلك بأن صلاة الخوف إنما شرعت على تلك الوجوه ما لم يلتحم القتال, فإنهم يمكنهم أن يصلوا صلاة الخوف كما أمر الله سبحانه بأن يقوموا صفين صفا يصلون وصفا يحرسون, وأما حال الالتحام فلا يمكن ذلك فالتأخير وقع حال الاشتغال بالقتال وصلاة الخوف شرعت حال المواجهة قبل الاشتغال بالقتال وهذا له موضع, وهذا في القول كما ترى.
وقالت طائفة ثالثة: يخير بين تقديمها والصلاة على حسب حاله وبين تأخيرها حتى يتمكن من فعلها, وهذا مذهب جماعة من الشاميين وهو إحدى الروايتين