عن الإمام أحمد, لأن الصحابة فعلوا هذا وهذا في قصة بني قريظة, كما سنذكرها بعد هذا إن شاء الله تعالى, وعلى الأقوال الثلاثة فلا حجة للعاصي المفرط المعتدي الذي قد باء بعقوبة الله وإثم التفويت في ذلك بوجه من الوجوه, وبالله التوفيق.
فصل
وبهذا خرج الجواب عن استدلالكم بتأخير الصحابة العصر إلى بعد غروب الشمس عمدا حين قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة". فأدركت طائفة الصلاة في الطريق فقالوا: لم يرد منا تأخيرها فصلوها في الطريق, وأبت طائفة أخرى أن تصليها إلا في بني قريظة فصلوها بعد العشاء, فما عنف رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدة من الطائفتين, فإن الذين أخروها كانوا مطيعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم معتقدين وجوب ذلك التأخير, وأن وقتها الذي أمروا به حيث أدركهم في بني قريظة فكيف يقاس العاصي المتعدي لحدود الله على المطيع له الممتثل لأمره فهذا من أبطل قياس في العالم وأفسده وبالله التوفيق.
وقد فضلت طائفة من العلماء الذين أخروها إلى بني قريظة على الذين صلوها في الطريق. قالوا: لأنهم امتثلوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحقيقة, والآخرون تأولوا فصلوها في الطريق.
فصل
وأما استدلاكم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تصلى نافلة مع الأمراء الذين كانوا يضيعون الصلاة عن وقتها ويصلونها في غير الوقت, فلا حجة فيه لأنهم لم يكونوا يؤخرون صلاة النهار إلى الليل ولا صلاة الليل إلى النهار بل كانوا يؤخرون صلاة الظهر إلى وقت العصر, وربما كانوا يؤخرون العصر إلى وقت الأصفرار ونحن نقول إنه متى أخر إحدى صلاتي الجمع إلى وقت الأخرى صلاها في وقت الثانية وإن كان غير معذور. وكذلك إذا أخر العصر إلى الاصفرار. بل إلى أن يبقى منها قدر ركعة فإنه يصليها بالنص. وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة من غير خوف ولامطر١ أراد أن لا يحرج أمته. فهذا التأخير لا يمنع صحة الصلاة.