فالأمة عاقة -إلا من رحم الله- مع علمائها، ومع رواد الرأي فيها، ومع مفكريها وأدبائها، وهذا الرصيد الضخم والعملة النادرة والكبريت الأحمر يجب أن نضعه تاجاً على مفرق الأمة، أعني العلماء والأخيار والصلحاء والمفكرين والأدباء الملتزمين، نضعه على جبين الأمة، لكن الأمة لم تفعل ذلك، لقد عقَّت هؤلاء في حقبة من حقب التاريخ، وجعلت روادها أهل الهوايات من أساطين الفن وعشاق الكرة وصُرّع التسلية؛ لقد مات النمو والاختراع والابتكار في هذه الأمة؛ لأن العبقري عندها يُكسر قلمه، والأحوذي يُلغى ذكاؤه، والمبدع يُشطب على عقله.
أمة هي ترى الناصح متهَماً، والمخترع مهدَداً، والمكتشف عميلاً، يهددها المخترع فتخافه، ومن يكتشف خيراً عُدَّ عميلاً مظنوناً به السوء.
اكتشف الحمر والشقر وسائل التقدم والترفيه والتقنية لا لأنهم أذكى، ولكن لأنهم وجدوا التشجيع وإلهاب الحماس والتكريم والجوائز.
نجومهم المخترعون والمكتشفون والمبدعون ورواد الصناعة، فمن هم نجومنا اليوم في وسائل الإعلام، وعلى مستوى الرأي العام، وعلى مستوى تجمعات الناس؟ من هم نجومنا الذين نباري بهم الأمم في ثقافتنا وتقدمنا وحضارتنا؟! أتدري من هم؟! إما بطل كرة، أو مغن جماهيري شهير، أو موسيقار أو مسرحي، هؤلاء هم اللامعون في الحقبة الأخيرة من حقب أمة محمد عليه الصلاة السلام، فكيف لا تتخلف، وكيف لا تكون في الذيل، وكيف لا تكون تابعة لا متبوعة، ومأمورة لا آمرة، ومقودة لا قائدة؛ إننا نشكو الحال إلى الله.