للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

[السمع والطاعة لولي الأمر من أصول الإسلام]

بسم الله الرحمن الرحيم قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: [الأصل الثالث: أن من تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تأمر علينا ولو كان عبداً حبشيًّا.

فبين الله له هذا بياناً شائعاً كافياً بوجوه من أنواع البيان شرعاً وقدراً، ثم صار هذا الأصل لا يعرف عند أكثر من يدعي العلم فكيف العمل به؟!] .

هذا الأصل الثالث هو تابع للأصل الذي قبله.

ولذلك قال المؤلف رحمه الله تعالى: (أن من تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تأمر علينا ولو كان عبداً حبشيّاً) ، يعني: أن مما أمر الله به السمع والطاعة لمن تأمر علينا، أي: لمن ولي أمرنا.

والسمع هو القبول، والطاعة: هي الانقياد والامتثال، وهما مقرونان في كثيرٍ من المواضع، قال الله جل وعلا في كتابه في آخر سورة البقرة: {وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة:٢٨٥] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقولوا سمعنا وعصينا، وقولوا: سمعنا وأطعنا) .

، فالسماع المراد به القبول، والطاعة المراد بها الامتثال والعمل، فالواجب على الأمة لتحقيق الاجتماع أن تسمع وأن تطيع لمن ولي أمرها.

ولذلك قال رحمه الله تعالى: (لمن تأمر علينا، ولو كان عبداً حبشيّاً) ، وهذا هو الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، ووعظهم به، وأمر به الأمة أن تسمع وأن تطيع، ولو تأمر عليهم من يحتقرونه، ولذلك قال: (ولو كان عبداً حبشياً) ، لاسيما في ذلك الوقت الذي كان مثل هذا في غاية الدنو عند أهل ذلك العصر؛ لأن العبد الحبشي في ذلك الوقت كان الغالب أنه يُستعبد، وأن يُؤمر، لا أن يترأس ويأمر، فلما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا دل على أنه يجب عليهم أن يمتثلوا أمر من ولاه الله أمرهم، وأن يكون حالهم مع أمرائهم ومن ولاّهم الله عليهم أن يكونوا بين سمعٍ وطاعة، فيسمعون ويطيعون.

وقوله: (ولو كان عبداً حبشياً) هذا من حيث اللون والجنس، أي: الأصل.

أما من حيث حال من تولى فهل يلزم أن يكون على طاعةٍ وبر؟ الجواب: لا يلزم، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح: (من رأى من أميره ما يكره فليصبر عليه) ، سواء فيما يتعلق به، أو فيما يتعلق بغيره أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يصبر عليه، ثم بعد هذا الأمر جاء الوعيد فقال: (من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية) أي: مات على غير الطريقة السلفية، وعلى غير الطريقة النبوية، وهذا مما يتعلق بحال الأمير من حيث الاستقامة، ولذلك كان من عقيدة أهل السنة والجماعة السمع والطاعة لولاة الأمر، ومن عقيدتهم الجهاد والصلاة والحج خلف الأمراء أبراراً كانوا أو فجاراً، وبهذا تستقيم أحوال الناس، بل لا استقامة لأحوال الناس إلاَّ بهذا، فإذا كره الإنسان من أميره شيئاً فالواجب عليه أن يصبر، ولذلك لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بأنه ستكون بعده أثرة سألوه: فما الواجب؟ قال: (أدوا الحق الذي عليكم، واسألوا الله الذي لكم) ، وهذا معناه أن يصبروا.

ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى في بيان هذا الأصل: (فبين الله له هذا بياناً شائعاً كافياً بوجوهٍ من أنواع البيان شرعاً وقدراً) ، فمن الشرع قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:٥٩] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (على المسلم السمع والطاعة في منشطه ومكرهه وفي عسره ويسره) ، والأحاديث والأدلة في هذا كثيرة، وأما قوله: (وقدراً) فالمراد به: بين الله هذا قدراً.

فما من فئة خالفت هذا الأمر إلا دب فيها الخلاف، ووقعت في الفرقة والنزاع والقتال، وأكبر شاهد على هذا ما وقع في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه، فعند أن خرجوا عليه وقع السيف في الأمة، ووقع القتال والخلاف المعروف المشهور، وهذه هي الحال في كل من سعى في مخالفة ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الاجتماع على من ولاه الله أمر الأمة.

ثم قال رحمه الله تعالى: (ثم صار هذا الأصل لا يعرف عند أكثر من يدعي العلم، فكيف العمل به) وهذا واقع، ولذلك تجد أن كثيراً ممن يخالف طريق أهل السنة والجماعة لا يذكرون هذا الأصل، فليس من أصولهم السمع والطاعة لولاة الأمر، بل من أصولهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يعني الخروج على الأئمة ومنابذتهم ومقاتلتهم، وهذا مشهور عند الخوارج والمعتزلة وغيرهم من الفرق الضالة.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>