اعلم! ان وجه نظم مآل هذه الآية بمآل سابقتها: عطف الجناية الرابعة، أعني الاستهزاء والاستخفاف على الجنايات السابقة من التسفيه والافساد والفساد.
وان وجه النظم بين جملها هو انه: كما ان للايمان الذي هو نقطة استنادٍ عن الآلام ونقطة استمداد للآمال ثلاث خواص حقيقية:
إحداها: عزة النفس الناشئة من "نقطة الاستناد"، ومن شأن عزة النفس عدم التنزّل للتذلّل.
والثانية: الشفقة التي من شأنها عدم التذليل والتحقير.
والثالثة: احترام الحقائق ومعرفة قيمتها، لأن صاحب غالي القيمة ذو حقيقة، وعنده الجوهر الفريد، وعدم الاستخفاف بالحقيقة لأنه أيضاً رزين؛ كذلك لضد الايمان، أعني النفاق اضدادُ خواصِه الثلاث، فخواص النفاق الناشئة منه: ذلة النفس، وميل الإِفساد، والغرور بتحقير الغير.
اذا عرفت هذا، فاعلم! ان النفاق يولِّد ذلةَ النفس وهي تنتج التذللَ، وهو الرياءَ وهو المداهنةَ وهي الكذبَ. فأشار اليه بقوله: واذا لقوا الذين امنوا قالوا آمنا..
ثم لما كان النفاق مفسداً للقلب وفساده ينتج يُتْمَ الروحِ أي عدم الصاحب والحامي والمالك فيتولد الخوف وهو يلجؤه الى التستر، اشار اليه بلفظ واذا خلوا..
ثم لما كان النفاق قاطعا للرحم وقطعُه يزيل الشفقة، وزوالها ينتج الافسادَ وهو الفتنةَ وهي الخيانةَ وهي الضعفَ وهو يضطره الى الالتجاء الى ظهير ومستند، أشار اليه بلفظ الى (شياطينهم) ..