للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

يجدون من الصور الحاضرة بسبب الصنعة أو التوغل أو الألفة أو الأحتياج، ولا أقل من لفِّ منديلٍ من تلك الصنعة برأسه، أو الانصباغ بلون مّا. وما تجده في ديباجة الكتب من براعة الاستهلال من اظهر امثلة هذه المسألة.

ثم ان اسلوب الكلام قد يكون باعتبار خيال المخاطَب كما في أساليب القرآن الكريم فلا تنسَ. ثم ان مراتب الاسلوب متفاوتة فبعضها ارقّ من النسيم اذا سرى يرمز اليه بهيئات الكلام. وبعضها اخفى من دسائس الحرب لايشمه الاّ ذو دهاء في الحرب؛ كاستشمام الزمخشري (١) من (مَنْ يُحْيي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) (٢) اسلوب "مَن يبرز الى الميدان". وان شئت فتأمل في الآيات المذكورة تر فيها مصداق هذه المسائل بألطف وجه. وان شئت زُرِ الامامَ البوصيريَّ (٣) وانظر كيف كتب "رَجَتَتَهُ" (٤) باسلوب الحكيم في قوله:

وَاسْتَفْرغِ الدَّمْعَ مِنْ عَيْنٍ قَدِ امْتَلأَتْ مِنَ الْمَحَارِمِ وَالْزِمْ حِمْيَةَ النَّدَم

ورمز الى الاسلوب بلفظ الحمية. او استمع هدهد سليمان كيف أومأ الى هندسته (٥) بقوله: (الاّ يَسْجُدُوا لله الَّذِي يُخْرِج الْخَبْءَ في السَّموَاتِ والارضِ) (٦) .

المسألة الرابعة:

اعلم! ان الكلام انما يكون ذا قوّة وقدرة اذا كان اجزاؤه مصداقا لما قيل:

عِبَاراتُنا شَتى وَحسْنُكَ وَاحِدٌ وَكُلٌّ اِلَى ذَاكَ الْجَمَالِ يُشير

(١) هو ابو القاسم محمود بن عمر بن محمد الزمخشرى جار الله. ولد بزمخشر سنة ٤٦٧هـ، توفي بعد رجوعه من مكة المكرمة سنة ٥٣٨هـ. إمام عصره في اللغة والتفسير، له "الكشاف عن حقائق التنزيل " و "الفائق في غريب الحديث " و "المفصل في النحو " و "اساس البلاغة " وغيرها.

(٢) سورة يس: ٧٨.

(٣) (٦٠٨ - ٦٩٨هـ) محمد بن سعيد بن حماد بن عبد الله البوصيري المصري. شاعر، حسن الديباجة، مليح المعاني، له ديوان شعر مطبوع، واشهر شعره البردة المشهورة بـ "بردة المديح " (كشف الظنون ١/٢٨٨ الاعلام ٦/١٣٩) .

(٤) وصفة طبية.

(٥) ومعرفته الماء تحت الارض (الكشاف) .

(٦) سورة النمل: ٢٥.

<<  <   >  >>