للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

يقول بكمال الوثوق والاطمئنان والجدية (لاتَحْزَنْ اِن الله مَعَنَا) ١!. فكما ان ابتداءه بالحركة - بلا مبالاة لمعارض وبلا خوف وتردد مع كمال الاطمئنان - يدل على تمسكه بالصدق؛ كذلك تأسيسه بانتهاء حركاته - لقواعد هي الأساس لسعادة الدارين - واصابته للحق واتصاله بالحقيقة دليل على حقانيته، فهذا فرداً فرداً. وأما اذا نظرت الى مجموع حركاته واحواله يتجلى لعينك برهانُ نبوّته كالبرق اللامع. فتبصّر!..

المسألة الثالثة:

اعلم! ان الزمان الماضي والحال - أي عصر السعادة - والاستقبال اتفقت على تصديق نبوّته كما ان ذاته دليل على نبوّته. ولنطالع هذه الصحف الأربع:

فأولاً: نتبرك بمطالعة ذاته عليه السلام. ولابد أوّلاً من تصوّر أربع نكت:

إحداها: انه "ليس الكحلُ كالتكحّل" أي لايصل الصنعيُ والتصنعيُ - ولو كانا على أكمل الوجوه - مرتبة الطبيعيّ والفطريّ ولا يقوم مقامه، بل فلتاتُ غلطاتِ هيئةِ حركةِ الصنعي تومئ بمزخرفيته.

والثانية: ان الاخلاق العالية انما تتصل بأرض الحقيقة بالجدية، وان ادامة حياتها وانتظام مجموعها انما هي بالصدق. ولو ارتفع الصدق من بينها صارت كهشيم تذروه الرياح.

والثالثة: هي انه كما يوجد الميل والجذب في الأمور المتناسبة، كذلك يوجد الدفع والتنافر في الأمور المتضادة.

والرابعة: هي "ان للكلِّ حكماً ليس لكلٍ" كقوّة الحبل مع ضعف خيوطه..

واذا تفطنت لهذه النكت فاعلم! ان آثار محمّد عليه الصلاة والسلام وسيره وتاريخ حياته تشهد - مع تسليم أعدائه - بانه لعلى خلق عظيم، وبانه قد اجتمع فيه الخصائل العالية كافة. ومن شأن امتزاج تلك الأخلاق توليد عزة للنفس وحيثية وشرف ووقار لاتساعد التنزل للسفاسف. فكما ان علوّ الملائكة لايساعد لاختلاط الشياطين بينهم؛ كذلك تلك الأخلاق العالية بجمعها لا تساعد أصلا لتداخل الحيلة


١ سورة التوبة: ٤٠.

<<  <   >  >>