للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

علقة ثم في مضغة. ثم يراها دفعة بانقلاب عجيب قد لبست صورة ويرى في هذه الانقلابات حركات منتظمة على دساتير معينة يتراءى منها: ان كل ذرة كانت معينة في أول الأطوار كأنها موظفة للذهاب إلى الموضع المناسب من جسد الحي، فيتفطن الذهن انها بقصد تُساق وبحكمة تُرسل، وكانت الحياة الثانية في نظره أهون وأسهل وأمكن بدرجات فيقنع بها قلبه بالطريق الأَولى. فهذه الجملة كالدليل للاحقتها والكل معا برهان على الانكار المستفاد من "كيف".

المسألة الثالثة: في (ثم يميتكم) .

اعلم! ان آية (خلق الموت والحياة) ١ تدل على ان الموت ليس إعداماً وعدماً صرفاً، بل تصرف، وتبديل موضع، واطلاق للروح من المحبس. وكذا ان ما وجد في نوع البشر الى الآن من امارات غير معدودة، ونَجَمَ من اشارات غير محدودة؛ القت الى الأذهان قناعة وحدسا بأن الإِنسان بعد الموت يبقى بجهة، وان الباقي منه هو الروح. فوجود هذه الخاصة الذاتية في فرد يكون دليلا على وجودها في تمام النوع للذاتية. ومن هنا تكون الموجبة الشخصية مستلزمة للموجبة الكلية، فحينئذ يكون الموت معجزة القدرة كالحياة. لا انه عدمٌ علتُه عدمُ شرائط الحياة.

فإن قلت: كيف يكون الموت نعمة حتى نُظِّم في سلك النِعَم؟

قيل لك: أما:

أوّلا: فلأنه مقدمة للسعادة الأبدية، ولمقدمة الشئ حكم الشئ حُسنا وقبحاً؛ اذ مايتوقف عليه الواجب واجب وما ينجر إلى الحرام حرام..

وثانيا: فلأن الموت عند أهل التحقيق من المتصوِّفين نجاة للشخص بخروجه عن نظير المحبس المشحون بالحيوانات المضرّة الى صحراء واسعة..

وثالثا: فلأنه باعتبار نوع البشر نعمة عظمى؛ اذ لولاها لوقع النوع في سفالات مدهشة..

ورابعا: فلأنه باعتبار بعض الأشخاص نعمة مطلوبة اذ بسبب العجز والضعف لا يتحمل تكاليف الحياة وضغط البليات وعدم شفقة العناصر، فالموت باب فوزه.


١ سورة الملك: ٢.

<<  <   >  >>