للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحمار بالأسفار المحمولة على ظهره فما لم تجعله كالخيط الممدود، ولم يُمزَج حتى يكون القياسُ قياسَ أشياءَ يُبالغ في مِزاجها حتى تَتَحد وتخرُجَ عن أن تُعرَف صُورةُ كلِّ واحد منها على الانفراد، بل تبطُل صُوَرها المفردةُ التي كانت قبل المِزاج، وتحدُث صورةٌ خاصة غير اللواتي عهِدتَ، وتحصُلُ مَذَاقَةٌ لو فرضتَ حصولها لك في تلك الأشياء من غير امتزاج، فرضتَ ما لا يكون لم يتمَّ المقصود، ولم تحصل النتيجة المطلوبةُ، وهي الذمُّ بالشقاء في شيء يتعلق به غرضٌ جليلٌ وفائدةٌ شريفةٌ، مع حِرمان ذلك الغرض وعدمِ الوصول إلى تلك الفائدة، واستصحاب ما يتضمن المنافع العظيمة والنعم الخطيرة، من غير أن يكون ذلك الاستصحاب سبباً إلى نَيْلِ شيء من تلك المنافع والنِّعم، ومثال ما يجيء فيه التشبيه معقوداً على أمرين إلا أنهما لا يتشابكان هذا التشابك قولُهم: هو يَصْفُو ويكدر ويَمُرُّ ويحلُو ويشُجُّ وَيأْسُو، ويُسرِحُ ويُلجم، لأنك وإن كنت أردت أن تجمع له الصِّفتين، فليست إحداهما ممتزجة بالأخرى، لأنك لو قلت: هو يصفو، ولم تتعرض لذكر الكدر أو قلت: يحلو، ولم يسبق ذكر يَمُرُّ، وجدت المعنى في تشبيهك له بالماء في الصَّفاء وبالعسل في الحلاوة بحاله وعلى حقيقته،

<<  <   >  >>