واعلم أن المجاز على ضربين: مجازٌ من طريق اللغة، ومجازٌ من طريق المعنى والمعقول، فإذا وصفنا بالمجاز الكلمة المُفردة كقولنا: اليد مجاز في النعمة والأسد مجازٌ في الإنسان وكلِّ ما ليس بالسبع المعروف، كان حُكماً أجريناه على ما جرى عليه من طريق اللغة، لأنا أردنا أنّ المتكلم قد جاز باللفظة أصلها الذي وقعت له ابتداءً في اللغة، وأوقعها على غير ذلك، إمَّا تشبيهاً، ووإمَّا لصلةٍ وملابَسةٍ بين ما نقلها إليه وما نقلها عنه، ومتى وصفنا بالمجاز الجملةَ من الكلام، كان مجازاً من طريق المعقول دون اللغة، وذلك أن الأوصاف اللاّحقة للجُمل من حيث هي جُمَل، لا يصحُّ رَدُّها إلى اللغة، ولا وجهَ لنسبتها إلى واضعها، لأن التأليف هو إسنادُ فعلٍ إلى اسم، واسم إلى اسم، وذلك شيءٌ يحصُلُ بقصد المتكلم، فلا يصير ضَرَبَ خبَراً عن زيد بواضع اللغة، بل بمن قصد إثبات الضرب فعلاً له، وهكذا: ليضربْ زيدٌ، لا يكون أمراً لزيد باللغة، ولا اضرب أمرا لِلرجل الذي تخاطبه وتُقبل عليه من بين كلِ من يصحّ خطابُه باللغة، بل بك أيُّها المتكلم، فالذي يعود إلى واضع اللغة، أنّ ضَرَبَ لإثبات الضرب، وليس لإثبات الخروج، وأنه لإثباته في زمانٍ ماضٍ، وليس لإثباته في زمانٍ مستقبَل، فأمَّا تعيين من يُثَبت له، فيتعلّق بمن أراد ذلك من المخبِرين بالأمور، والمعبِّرين عن ودائع الصُّدور، والكاشفين عن المقاصد والدَّعاوى، صادقةً كانت تلك