للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإنما قُصد ما يوجبه تعدِّي الحملِ إلى الأسفار، مع اقتران الجهل بها به، وهو العناء بلا منفعة، يُبيِّن ذلك: أنك قد تقول للرجل يحمل في كُمّه أبداً دفاتر علمٍ، وهو بليد لا يفهم، أو كسلان لا يتعلم: إن كان يحمل كُتُب العلم فالحمار أيضاً قد يحمل، تريد أن تُبطل دعواه أن له في حمله فائدة، وأن تسوَّيَ بينه وبين الحمار في فقد الفائدة مما يحمل، فالحمل ها هنا نفسه موجود في المشبَّه بالحمار، ثم التشبيه لا ينصرف إليه من حيث هو حملٌ، وإنما ينصرف إلى ما ذكرت لك من عدم الجدوى والفائدة، وإنما يُتَصوّر أن يكون الشَّبه راجعاً إلى الحمل من حيث هو حمل، حيث يوصف الرجل مثلاً بكثرة الحفظ للوظائف، أو جَهْد النفس في الأشغال المتراكمة، وذلك خارجٌ عن الغرض مما نحن فيه، ومن هذا الباب قولهم: أخذ القوسَ باريها، وذلك أن المعنى على وقوع الأخذِ في موقعه ووجودهِ من أهله، فلستَ تُشبّهه من حيث الأخْذُ نفسُه وجنسه، ولكن من حيث الحكمُ الحاصلُ له بوقوعه من باري القوس على القوس، وكذلك قولهم: ما زال يَفْتِل منه في الذِّرْوةِ والغارب الشبه مأخوذٌ ما بين الفتل وما تَعدَّى إليه من الذِّروة والغارب، ولو أفردته لم تجد شبهاً بينه وبين ما يُضرَب هذا الكلام مثلاً له، لأنه يُضرَب في الفِعْل أو

<<  <   >  >>