للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الغرض في البيت أن يُثبت ابتداءً مطمعاً مُؤْنِساً أدَّى إلى انتهاء مؤيسٍ مُوحش، وكونُ الشيء ابتداءً لآخرَ هو له انتهاءٌ، معنًى زائد على الجمع بين الأمرين، والوصفِ بأن كلَّ واحدٍ منها يوجد في المقصود، وليس لك في قولك يصفو ويكدر، أكثرُ من الجمع بين الوصفين، ونظيرُ هذا أن تقول هو كالصُّفو بعد الكدر، في حصول معنًى يجِبُ معه رَبْطُ أحد الوصفين بالآخر في الذكر ويتعيَّن به الغَرض، حتى لو قلت: يكدُر ثم يصفو، فجئت بثُمَّ التي توجب الثاني مرتَّباً على الأوَّل، وأنّ أحدهما مبتدأ والآخر بعده، صرتَ بالجملة إلى حد ما نحن عليه من الارتباط، ووجوبِ أن يتعلَّق الحكم بمجموعهما، ويُوجَد الشَبه إن شَبَّهتَ ما بينهما، على التشابك والتداخلُ، دون التباين والتزايُل، ومن الواضح في كون الشَّبه معلَّقاً بمجموع الجملتين، حتى لا يقع في الوَهْم تَمَيُّز إحداهما على الأخرى قولهُ: بلغني أنك تُقدّم رِجلاً وتؤخّر أخرى، فإذا أتاك كتابي هذا فاعتمدْ على أيّهما شئت والسَّلام، وذلك أن المقصود من هذا الكلام: التردُّدُ بين الأمرين، وترجيحُ الرأي فيهما، ولا يُتصوّر التردُّد والترجيح في الشىء الواحد، فلو جَهَدت وَهْمَك أن تتصور لقولك: تقدّم رجلاً معنى وفائدةً ما لم تقل: وتؤخّر أخرى، أو تَنْوِهِ في قلبك، كلَّفت نفسَك شطَطَاً،

<<  <   >  >>