للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وهل تشكُّ في أنه يعمل عمل السحر في تأليف المتباينين حتى يختصر لك بُعْدَ ما بين المشرق والمغرب، ويجمع ما بين المُشئِمِ والمُعْرِق، وهو يُرِيكَ للمعاني الممثَّلة بالأوهام شَبَهاً في الأشخاص الماثلة، والأشباح القائمة، ويُنطق لك الأخرس، ويُعطيك البيان من الأعجم، ويُريك الحياةَ في الجماد، ويريك التئامَ عين الأضداد، فيأتيك بالحياة والموت مجموعين، والماءِ والنارِ مجتمعين، كما يقال في الممدوحِ هو حياة لأوليائه، موت لأعدائه، ويجعل الشيء من جهةٍ ماءً، ومن أخرى ناراً، كما يقال:

أنا نارٌ في مُرْتَقَى نَظَرِ الحا ... سِدِ، ماءٌ جارٍ مع الإخوان

وكما يجعل الشيء حُلواً مُرّاً، وصاباً عسلاً وقبيحاً حسَنَاً، كما قال:

حَسَنٌ في وجوه أعدائه أَقْ ... بحُ من ضَيْفه رأتْه السوامُ

ويجعل الشيء أسود أبيضَ في حال، كنحو قوله:

له منظَرٌ في العين أبيضُ ناصعٌ ... ولكنّه في القلب أسودُ أسفعُ

ويجعل الشيء كالمقلوب إلى حقيقة ضدّه، كما قال:

غُرَّةٌ بُهْمَةٌ ألا إنما كُنْ ... تُ أغَرَّ أيَّام كنتُ بَهِيمَا

ويجعل الشيء قريباً بعيداً معاً، كقوله:

<<  <   >  >>