للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[فصل]

" هذا فن آخر من القول يجمع التشبيه والتمثيل جميعاً "؛ اعلم أن معرفة الشيء من طريق الجملة، غيرُ معرفته من طريق التفصيل، فنحن وإن كنّا لا يُشكل علينا الفَرْقُ بين التشبيه الغريب وغير الغريب إذا سمعنا بهما، فإنّ لوضع القوانين وبيانِ التَّقسيم في كل شيء، وتهيئةِ العبارة في الفروق، فائدةً لا يُنكرها المميز، ولا يخفَى أن ذلك أتَمُّ للغرض وأشفى للنفس، والمعنى الجامع في سبب الغرابة أن يكون الشَّبَهُ المقصودُ من الشيء مما لا يتسرّّع إليه الخاطر، ولا يقع في الوهم عند بديهة النظر إلى نظيره الذي يُشبَّه به، بل بعد تثبُّتٍ وتذكر وفَلِْي للنفس عن الصور التي تعرفها، وتحريكٍ للوهم في استعراض ذلك واستحضار ما غاب منه، بيان ذلك أنك كما تَرى الشمس ويجري في خاطرك استداراتُها ونورُها، تقع في قلبك المرآة المجلّوة، ويتراءَى لك الشَّبه منها فيها، وكذلك إذا نظرتَ إلى الوشي منشوراً وتطلّبتَ لحسنه ونَقْشه واختلاف الأصباغ فيه شبهاً، حَضَرَك ذكرُ الرَّوض ممطوراً مُفْترّاً عن أزهاره، متبسّماً عن أنواره، وكذلك إذا نظرت إلى السيف الصَّقيل عند سَلّه وبريق مَتْنِهِ، لم يتباعد

<<  <   >  >>