الموضعين شيءٌ واحدٌ وهو شُعلة النار، وما ذاك إلا من جهة أن الثاني قَصَد إلى تفصيلِ لطِيفٍ، ومَرَّ الأوَّلُ على حكم الجمل. ومعلومٌ أن هذا التفصيل لا يقع في الوهم في أول وهلة، بل لا بدّ فيه من أن تتثَبَّت وتتوقَّف وتُرَوَّى وتنظر في حال كل واحد من الفرع والأصل، حتى يقوم حيئذ في نفسك أن في الأصل شيئاً يقدح في حقيقة الشبه، وهو الدُّخان الذي يعلو رأسَ الشعلة، وأنه ليس في رأس السنان ما يُشبه ذلك، وأنه إذا كان كذلك، كان التحقيقُ وما يؤدِّي الشيءَ كما هو، أن تستثني الدُّخان وتنفي، وتَقْصِر التَّشبيه على مُجرَّد السَّنا، وتصوّر السنان فيه مقطوعاً عن الدخان، ولو فرضتَ أن يقع هذا كلَّه على حدّ البَديهة من غير أن يخطر ببالك ما ذكرتُ لك، قدَّرتَ مُحالاً لا يتصوَّر، كما أنك لو قدَّرت أن يكون تشبيه الثُّريا بعنقود مُلاَّحية حين نوَّر بمنزلة تشبيهها بالنَوْر على الإطلاق، أو تفتُّح نَوْر فقط، كما قال:
كأنّ الثُّريا في أواخِر لَيلِها ... تَفَتُّح نَوْرٍ
حتى ترى حاجتَهما إلى التأمُّل على مقدار واحد، وحتى لا يُحْوِج أحدهما من الرجوع إلى النفس وبَحْثها عن الصور التي تعرفها، إلا إلى مثل ما يُحْوِج إليه الآخر أسرفتَ في المجازفة، ونَفَضْت يداً بالصَّواب والتحقيق.