لتقريره وتصويره في النفس، فضلاً عن أن تكمل العبارة لتأديتهِ، ويبلغ البيانُ كُنْهَ صورته، ومثلُ هذا التشبيه، وإن صُوِّر في غير المرآة، قولُ المهلّبي الوزير:
الشمس من مشرقها قد بدتْ ... مُشْرِقةً ليسَ لها حَاجِبُ
كأنَّهَا بُوتَقَةٌ أُحْمِيتْ ... يَجُولُ فيها ذَهَبٌ ذَائبُ
وذلك أنّ الذهب الذائب يتشكل بأشكال البوتقة، فيستدير إذا كانت البوتقة على النار، فإنه يتحرّك فيها حركةً على الحدِّ الذي وصفتُ لك، طَبْع الذهب من النُّعومة، وفي أجزائه من شدة الاتصال والتلاحم، يمنعه أن يقع فيه غليان على الصفة التي تكون في الماء ونحوه، مما يتخللُه الهواء فيرتفع وسطه ارتفاعاً شديداً، ولكن جُملته كأنها تتحرك بحركة واحدة، ويكون فيها ما ذكرتُ من انبساط إلى الجوانب، ثم انقباض إلى الوسط، فاعرفه، ومن عجيب ما جُمِع فيه بينَ الشكل وهيئة الحركة، قول الصنوبري:
كأنَّ في غُدْرَانِها ... حَواجباً ظلَّتْ تُمَطّْ
أراد ما يبدو في صَفْحة الماء من أشكال كأنصاف دوائرَ صغارِ ثم إنك تراها تمتدّ امتداداً يَنْقص من انحنائها وتَحَدُّبها، كما تُباعد بين طرفَي القوس وتثنيهما إلى ناحية الظهر، كأنك تُقرّبها من الاستواءِ وتسلُبُها بعض شكل التقوُّس، الذي هو إقبال طرفيها على الآخر، ومتى حدثتْ هذه الصفة في تلك