وقد يَقصِدُ الشاعر، على عادة التخييل، أنْ يُوهِم في الشيء هو قاصرٌ عن نظيره في الصفة أنه زائد عليه في استحقاقها، واستيجابِ أن يُجعَل أصلاً فيها، فيصحُّ على موجَب دعواه وسَرَفه أن يجعل الفرعَ أصلاً، وإن كُنّا إذا رجعنا إلى التحقيق، لم نجد الأمرَ يستقيم على ظاهر ما يضع اللفظ عليه، ومثاله قول محمد بن وُهيب:
فهذا على أنه جعل وَجْه الخليفة كأنه أعرفُ وأشهرُ وأتمُّ وأكملُ في النور والضياء من الصَّباح، فاستقام له بحكم هذه النِّيَّة أن يجعل الصباحَ فرعاً، ووجهَ الخليفة أصلاَ. واعلم أن هذه الدعوى وإن كنت تراها تُشبه قولَهم لا يُدرَى أوَجْهُه أَنورُ أم الصُّبح، وغُرَّته أضوأُ أم البدر، وقولَهم إذا أفرطوا نور الصباح يَخْفَى في ضوء وجهه، أو نور الشمس مسروقٌ من جبينه، وما جرى في هذا الأسلوب من وُجوه الإغراق والمبالغة فإن في الطريقةِ الأولى خِلاَبةً وشيئاً من السحر، وهو أنه كأنه يستكثِر للصَّباح أن يُشَبَّه بوجه الخليفة، ويوهم أنه قد احتشَد له، واجتهد في طلب تشبيه يُفخِّمُ به أمره، وجِهَتُه الساحرة أنه يُوقع المبالغةَ في نفسك من حيث لا تشعر، ويُفيدُكَهَا من غير أن يظهر ادِّعاؤه لها، لأنه وضع كلامَه وَضْعَ مَنْ يقيس على أصل متَّفَقٍ عليه، ويُزَجِّي الخبر عن أمرٍ مسلَّم لا حاجة فيه إلى دعوى ولا إشفاقَ من خلاف مخالفٍ وإنكار منكرٍ، وتجهُّمِ معترضٍ، وتهكُّم قائِلٍ: لِمَ؟، ومن أين لك ذلك؟، والمعاني إذا