الباب، لأن الرقّة في الهواء حقيقة وفي التشاكي مجاز، وهكذا قول أبي نواس في خلاعته:" حَتَّى هِيَ في رِقّة دِينِي " لأن الرقَّة من صفات الأجسام، فهي في الدِّين مجاز: ومما كأنه يدخل في هذا الجنس قولُ المتنبي:
يترشَّفْنَ من فَمِي رَشَفاتٍ ... هُنَّ فيهِ أَحْلَى من التَّوحيدِ
والنفس تنبو عن زيادة القولِ عليه، وقد اقتدى به بعض المتأخرين في هذه الإساءة فقال:
سواد صُدْغَين من كفرٍ يُقابله ... بياض خدَّين من عَدْلٍ وتوحيدِ
وأبعدُ ما يكون الشاعر من التوفيق، إذا دعته شهوة الإغراب إلى أن يستعير للهزل والعَبث من الجِدِّ، ويتغزل بهذا الجنس. ومما هو حسنٌ جميل من هذا الباب، قول الصاحب كَتَبَ به إلى القاضي أبي الحسن رُوي عن القاضي أنه قال انصرفت عن دار الصاحب قُبيل العيد، فجاءني رسوله بعطر الفطر، ومعه رُقْعة فيها هذان البيتان:
يَا أيُّها القاضي الذي نفسى لَهُ ... مَعَ قُرْب عهد لِقائه مُشتاقَهْ
أهديتُ عِطراً مثلَ طِيب ثَنائه ... فكأنما أُهدِي له أَخلاقَهْ