للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ما بِذَا كانت المُنَى حدَّثَتْني ... لَهْفَ نفسي أَراك قد خُنتَ ودَّا

ما تَرَى في مُتَيَّمٍ بكَ صَبٍّ ... خاضِعٍ لا يرى من الذُلِّ بُدَّا

إن زَنَتْ عينُه بغيرك فاضربْ ... ها بطُول السُهاد والدَّمْع حَدَّا

قد جعل البكاءَ والسهاد عقوبةً على ذنبِ أَثبته للعين، كما فعل في البيت الأول، إلا أنّ صورة الذنب هاهنا غير صورته هناك، فالذنب هاهنا نَظَرُها إلى غير الحبيب، واستجازتُها من ذلك ما هو محرَّم محظور والذنب هناك نظَرُها إلى الحبيب نفسه، ومزاحمتها القلب في رؤيته، وغَيْرةُ القلب من العين سببُ العقوبة هناك، فأمّا هاهنا فالغيرة كائنة بين الحبيب وبين شخصٍ آخر فاعرفه. ولا شُبْهة في قصور البيت الثاني عن الأول، وأنّ للأوّل عليه فضلاً كبيراً، وذلك بأن جعل بعضَه يغار من بعض، وجعل الخصومة في الحبيب بين عينيه وقلبه، وهو تمام الظَّرْف واللطف، فأمّا الغيرة في البيت الآخر، فعلى ما يكون أبداً، هذا ولفظ زَنَتْ، وإن كان ما يتلوها من أحكام الصنعة يُحَسّنها، وورودُها في الخبر العينُ تزني، ويؤنِس بها، فليست تَدَعُ ما هو حكمها من إدخال نُفْرةٍ على النفس. وإن أردت أن ترى هذا المعنى بهذه الصنعة في أعجب صورة وأظرفها، فانظر إلى قول القائل:

أَتتني تُؤَنِّبني بالبكا ... فأهلاً بهَا وبتأنِيبهَا

تقولُ وفي قولها حِشْمةٌ ... أتبكي بعَيْنٍ تراني بها

فقلت إذا استحسنتْ غيرَكم ... أمرتُ الدُّموع بتأديبها

<<  <   >  >>