طَلَعْتَ لهم وَقْتَ الشُّروق فعَايَنُوا ... سَنَا الشّمسِ من أُفْقٍ ووَجْهَك من أُفْقِ
وما عَاينُوا شمسين قبلهما الْتَقَى ... ضياؤُهما وَفْقاً من الغَرْب الشَّرْقِ
معلوم أن القصد أن يُخرج السامعين إلى التعجّب لرؤية ما لم يروه قط، ولم تَجْرِ العادة به، ولم يتمَّ للتعجُّب معناه الذي عناه، ولا تظهر صورته على وصفها الخاصّ، حتى يجترئ على الدَّعوى جُرْأةَ من لا يتوقف ولا يَخشى إنكارَ مُنْكرٍ، ولا يَحْفِل بتكذيب الظاهر له، ويسُوم النفس، شاءَت أمْ أَبَتْ، تصوُّرَ شَمْسٍ ثانية طلعت من حيث تغرب الشمس، فالتقتَا وَفْقاً، وصار غرْب تلك القديمة لهذه المتجددةِ شرقاً. ومدارُ هذا النوع في الغالب على التعجُّب، وهو والي أمره، وصانع سِحْره، وصاحب سرّه، وتراه أبداً وقد أفضى بك إلى خِلابةٍ لم تكن عندك، وبرز لك في صورة ما حسبتها تظهر لك، ألا ترى أن صورة قوله شمس تظللني من الشمس، غير صورة قوله وما عاينوا شمسين، وإن اتَّفق الشعران في أنهما يتعجّبان من وجود الشيء على خلاف ما يُعقَل ويُعرَف. وهكذا قول المتنبي:
كَبَّرتُ حَوْلَ دِيارهم لمّا بَدَت ... منها الشُّموسُ وليسَ فيها المشرقُ