فقوله ولم تك تَبرَحُ الفَلَكا، يريك أنه ادَّعى الشمس نفسها، وقال أشجع يرثي الرشيد، فبدأ بالتعريف، ثم نكّر فخلَط إحدى الطريقتين بالأخرى، وذلك قوله:
غَرَبَتْ بالمشرق الشم ... سُ فقُلْ للعين تدمعْ
ما رَأَيْنا قَطُّ شَمساً ... غَرَبت من حَيْثُ تطلعْ
فقوله غربت بالمشْرق الشمسُ على حدّ قول بشار:" أتتني الشمس زائرةً، في أنه خيّل إليك شمس السماء "، وقوله بعد ما رأينا قَطّ شمساً، يُفتِّر أمرَ هذا التخييل، ويميل بك إلى أن تكون الشمس في قوله: غربت بالمشرق الشمس، غير شمس السماءِ، أعني غير مدَّعى أنها هي، وذلك مما يضطرب عليه المعنى وَيقْلَق، لأنه إذا لم يدَّع الشمسَ نفسها، لم يجب أن تكون جهة خراسان مَشْرِقاً لها، وإذا لم يجب ذلك، لم يحصل ما أراده من الغرابة في غروبها من حيث تطلع، وأظُنُّ الوجهَ فيه أن يُتأوّل تنكيره للشمس في الثاني على قولهم: خرجنا في شمس حارّة، يريدون في يوم كانَ للشمس فيه حرارة وفضلُ توقُّد، فيصير كأنه قال: ما عهدنا يوماً غَرَبت فيه الشمس من حيث تطلع، وهوت في جانب المشرق، وكثيراً ما يتفِق في كلام الناس ما يُوهم ضرباً من التنكير في الشمس كقولهم:" شَمْسٌ صيفية "، وكقوله: