للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وإذا الغزالةُ في السماء ترفَّعتْ ... وبَدَا النهارُ لوَقْتِه يترجَّلُ

أبْدَتْ لوجه الشمسِ وجهاً مثلَهُ ... تلقى السماءَ بمثل ما تستقبلُ

فتشبيهٌ على الجملة، ومن حيث أصل المعنى وصورته في المعقول، فأما الصُّورة الخاصّة التي تحدُث له بالصنعة فلم يَعْرِض لها. ومما له طبقة عالية في هذا القبيل وشكلٌ يدلُّ على شدَّة الشكيمة وعلوّ المأخذ، قولُ الفرزدق:

أبي أحمدُ الغَيْثَين صَعْصعةُ الذي ... متَى تُخْلِفِ الجوزَاءُ والدَّلوُ يُمطرِ

أجارَ بناتِ الوائدين ومن يُجِرْ ... على المَوْتِ يُعلَمْ أنه غير مُخْفَرِ

أفلا تراه كيف ادَّعى لأبيه اسم الغيث ادّعاءَ من سُلّم له ذلك، ومن لا يَخْطُر ببالِه أنه مجازٌ فيه، ومتناوِلٌ له من طريق التشبيه، وحتى كأنَّ الأمر في هذه الشهرة بحيث يقال: أيّ الغيثين أجود؟ فيقال صعصعة، أو يقال الغيثان، فيُعْلم أنّ أحدهمَا صعصعة، وحتى بلغ تمكُّنُ ذلك في العُرف إلى أن يتوقّف السامع عند إطلاق الاسم، فإذا قيل: أتاك الغيث، لم يعلم أيُراد صعصعة أم المطر. وإن أردت أن تعرف مقدارَ ما له من القُوَّة في هذا التخييل، وأن مصدرَه مَصْدَرُ الشيء المُتَعارَف الذي لا حاجة به إلى مقدِّمة يُبنَى عليها نحوَ أن تبدأ فتقول: أبي نظيرُ الغيث وثانٍ له، وغيثٌ ثانٍ، ثم تقول: وهو خير

<<  <   >  >>