للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فلم أرَ ضِرْغَامَين " من حيث عَمَد إلى واحدٍ من الأسودِ، ثم جعل الممدوحَ أسداً على الحقيقة قد قَارَنَهُ وضامَّهُ، ولا سبيل للفرزدق إلى ذلك، لأن الذي يَقْرِنه إلى أبيه هو الغيث على الإطلاق، وإذا كان الغيثَ على الإطلاق، لم يبق شيءٌ يستحقّ هذا الاسم إلا ويدخل تحته، وإذا كان كذلك، حصل منه أن لا يكون أبو الفرزدق غيثاًً على الحقيقة، فالجواب أن مذهب ذلك ليس على ما تتوهّمه، ولكن على أصلٍ هو التشبيه، وهو أن يقصدَ إلى المعنى الذي من أجله يشبِّه الفرع بالأصل كالشجاعة في الأسد، والمضاء في السيف، وينحِّي سائرَ الأوصاف جانباً، وذلك المعنى في الغَيْث هو النّفْع العامّ، وإذا قُدّر هذا التقدير، صار جنس الغيث كأنه عينٌ واحدة وشيءٌ واحد، وإذا عاد بك الأمر إلى أن تتصوَّرَهُ تَصوُّرَ العين الواحدة دون الجنس، كان ضَمُّ أبي الفرزدق إليه بمنزلة ضمِّك إلى الشمس رجلاً أو امرأةً تريد أن تبالغ في وصفهما بأوصاف الشمس، وتنزيلهما منزلتها، كما تجده في نحو قوله:

فَلَيْتَ طالعةَ الشَّمسين غَائِبةٌ ... وَلَيْتَ غَائبةَ الشَّمسينِ لم تغِبِ

<<  <   >  >>