وتظهر الأنْوار، وتلبس الأرض ثوب شبَابِها في زمان الربيع، صار يُتوهَّم في ظاهر الأمرِ ومجرى العادة، كأنّ لوجود هذه الأشياء حاجةً إلى الربيع، فأسند الفِعلَ إليه على هذا التأوُّل والتنزيل. وهذا الضرب من المجاز كثير في القرآن، فمنه قوله تعالى:" تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلّ حِينٍ بِإذْنِ رَبِّهَا "" إبْرَاهيم: ٢٥ "، وقوله عزَّ اسمه:" وَإذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمَاناً "" الأنفال: ٢ "، وفي الأخرى:" فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هذِهِ إيمَاناً "" التوبة: ١٢٤ "، وقوله:" وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا "" الزلزلة: ٢ "، وقوله عز وجل:" حَتَّى إذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّت "" الأعراف: ٥٧ "، أثبتَ الفعلَ في جميع ذلك لما لا يثبُت له فعلٌ إذا رجعْنَا إلى المعقول، على مَعْنى السَّبب، وإلاّ فمعلومٌ أن النخلة ليست تُحدث الأُكُل، ولا الآياتُ تُوجد العلم في قلب السامع لها، ولا الأرضُ تُخرج الكامن في بطنها من الأثقال، ولكن إذا حَدَثت فيها الحركةُ بقدرة اللَّه، ظهر ما كُنِزَ فيها وأُودِع جوفهَا، وإذا ثبت ذلك فالمبطِلُ والكاذبُ لايتأوَّل في إخراج الحكم عن موضعه وإعطائه غير المستحق، ولا يشبه كونَ المقصود سبباً بكَوْن الفاعل فاعلاً، بل يُثبت القضية من غير أن ينظرَ فيها من شيءٍ إلى شيءٍ، ويردَّ فرعاً إلى أصل، وتراه أعمى أكمهَ يظنّ ما لا يصحُّ صحيحاً، وما لا يثبُت ثابتاً، وما ليس في موضعه من الحكم موضوعاً موضعه، وهكذا المتعمِّد للكذب يدّعي أن الأمر على ما وضعه تلبيساَ وتمويهاً، وليس هو من التأوُّيل في شيء. والنكتةُ أن المجاز لم يكن مجازاً لأنه إثبات الحكم لغير