ومَن قدح في المجاز، وهمَّ أن يصفَه بغير الصدق، فقد خَبَط خَبْطاً عظيماً، ويَهْرِفُ بما لا يخفى، ولو لم يجب البحث عن حقيقة المجاز والعناية به، حتى تُحصَّل ضروبه، وتُضبَط أقسامه، إلا للسلامة من مثل هذه المقالة، والخلاص ممَّا نحا نحوَ هذه الشُّبْهة، لكان من حقّ العاقل أن يَتَوفَّر عليه، ويصرف العناية إليه، فكيف وبطالبِ الدِّين حاجةٌ مَاسَّةٌ إليه من جهات يطول عدُّها، وللشيطان من جانب الجهلِ به مداخلُ خفَّيةٌ يأتيهم منها، فيسرق دِينَهُم من حيث لا يشعرون، ويُلقيهم في الضلالة من حيث ظنّوا أنهم يهتدون؟ وقد اقتسمهم البلاء فيه من جانبى الإفراط والتفريط، فمن مغرورٍ مُغرىً بَنَفْيِه دَفعة، والبراءة منه جملة، يشمئزُّ من ذكره، وينبُو عن اسمه، يرى أن لزوم الظواهر فرضٌ لازمٌ، وضرب الخِيام حولَهَا حَتْمٌ واجب، وآخرُ يغلُو فيه ويُفرط، ويتجاوز حدَّه وَيخبط، فيعدل عن الظاهر والمعنى عليه، ويَسُوم نفسه التعمُّق في التأويل ولا سببَ يدعو إليه. أمَّا التفريط فما تجد عليه قوماً في نحو قوله تعالى:" هَلْ يَنْظُرُون إلاَّ أنْ يَأتِيَهُمُ الله "" البقرة: ١٢ "، وقوله:" وَجَاءَ رَبُّك "" الفجر: ٢٢ "، و:" الرَّحْمن عَلَى العَرْش اسْتَوَى "" طه: ٥ "، وأشباه ذلك من النُّبُوِّ