وذلك أن إحسانه في النوع الأول أكثر، وهو به أشهر. وكل ما لا يصحّ أن يسمَّى تمثيلاً فلفظ المثل لا يُستعمل فيه أيضاً، فلا يقال: ابن المعتزّ حسن الأمثال، تريد به نحو الأبيات التي قدّمتُها، وإنما يقال: صالح بن عبد القدُّوس كثير الأمثال في شعره، يراد نحو قوله:
وإنَّ مَنْ أَدَّبْتَهُ في الصِّبا ... كالعُودِ يُسقَى الماءَ في غَرْسِهِ
حتَّى تراهُ مُورقَاً ناضراً ... بَعْد الذي أبصرتَ مِنْ يُبْسِه
وما أشبهه، مما الشبه فيه من قبيل ما يجري في التأوّل، ولكن إن قلت في قول ابن المعتز:
فالنار تأكُلُ نَفْسها ... إن لم تجد ما تأْكُلُهْ
إنه تمثيل، فمثل الذي قلتُ ينبغي أن يُقال، لأن تشبيه الحسود إذا صُبِر وسُكِتَ عنه، وتُرك غيظُه يتردّد فيه بالنار التي لا تُمَدُّ بالحطب حتى يأكُلَ بعضها بعضاً، مما حاجتهُ إلى التأوُّل ظاهرة بيّنة. فقد تبيّن بهذه الجُملة وجهُ الفرق بين التشبيه والتمثيل، وفي تتبّع ما أجملتُ من أمرهما، وسلوكِ طريقِ التحقيق فيهما، ضربٌ من القول ينشَط له من يأْنَسُ بالحقائق.