٥٠٦ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْوَرْكَانِيُّ، نا مَعْمَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَوْسَجَةَ، أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَهَانَتْ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا، وَلَآثَرْتُمُ الْآخِرَةَ» ثُمَّ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ: لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَبْكُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَتَرَكْتُمْ أَمْوَالَكُمْ لَا حَارِسَ لَهَا، وَلَا رَاجِعَ إِلَيْهَا، إِلَّا مَا لَا بُدَّ لَكُمْ مِنْهُ، وَلَكِنْ يَغِيبُ عَنْ قُلُوبِكُمْ ذِكْرُ الْآخِرَةِ، وَحَضَرَهَا الْأَمَلُ فَصَارَتِ الدُّنْيَا أَمْلِكَ بِأَعْمَالِكُمْ، وَصِرْتُمْ كَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ، فَبَعْضُكُمْ شَرٌّ مِنَ الْبَهَائِمِ الَّتِي لَا تَدَعُ هَوَاهَا مَخَافَةً مِمَّا فِي عَاقِبَتِهِ، مَا لَكُمْ لَا تَحَابُّونُ، وَلَا تَنَاصَحُونَ، وَأَنْتُمْ إِخْوَانٌ عَلَى دِينٍ، مَا فَرَّقَ بَيْنَ أَهْوَائِكُمْ إِلَّا خُبْثُ سَرَائِرِكُمْ، وَلَوِ اجْتَمَعْتُمْ عَلَى الْبِرِّ لَتَحَابَبْتُمْ، مَا لَكُمْ تَنَاصَحُونَ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا، ⦗٢١٧⦘ وَلَا تَنَاصَحُونَ فِي أَمْرِ الْآخِرَةِ، لَا يَمْلِكُ أَحَدُكُمُ النَّصِيحَةَ لِمَنْ يُحِبُّهُ وَيُعِينُهُ عَلَى أَمْرِ آخِرَتِهِ، مَا هَذَا إِلَّا مِنْ قِلَّةِ الْإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ، لَوْ كُنْتُمْ تُوقِنُونَ بِخَيْرِ الْآخِرَةِ وَشَرِّهَا، كَمَا تُوقِنُونَ بِالدُّنْيَا، لَآثَرْتُمْ طَلَبَ الْآخِرَةِ، لِأَنَّهَا أَمْلَكُ لِأُمُورِكُمْ، فَإِنْ قُلْتُمْ: حُبُّ الْعَاجِلَةِ غَالِبٌ، فَإِنَّا نَرَاكُمْ تَدَعُونَ الْعَاجِلَ مِنَ الدُّنْيَا لِلْآجِلِ مِنْهَا، تَكُدُّونَ أَنْفُسَكُمْ بِالْمَشَقَّةِ وَالِاحْتِرَاقِ فِي أَمْرٍ لَعَلَّكُمْ لَا تُدْرِكُونَهُ، فَبِئْسَ الْقَوْمُ أَنْتُمْ، مَا حَقَّقْتُمْ إِيمَانَكُمْ بِمَا يُعْرَفُ بِهِ الْإِيمَانُ الْبَالِغُ فِيكُمْ، فَإِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأْتُونَا فَلَنُبَيِّنُ لَكُمْ وَلِنُرِيَكُمْ مِنَ النُّورِ مَا تَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ قُلُوبُكُمْ، وَاللَّهِ مَا أَنْتُمْ بِالْمَنْقُوصَةِ عُقُولُكُمْ فَنَعْذِرَكُمْ، إِنَّكُمْ لَتُبَيِّنُونَ صَوَابَ الرَّأْيِ فِي دُنْيَاكُمْ، وَتَأْخُذُونَ بِالْحَزْمِ فِي أَمْرِكُمُ، مَا لَكُمْ تَفْرَحُونَ بِالْيَسِيرِ مِنَ الدُّنْيَا تُصِيبُونَهُ؟ وَتَحْزَنُونَ عَلَى الْيَسِيرِ مِنْهَا يَفُوتُكُمْ؟ حَتَّى يَتَبَيَّنَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِكُمْ، وَيَظْهَرَ عَلَى أَلْسِنَتِكُمْ، وَتُسَمُّونَهَا الْمَصَائِبَ، وَتُقِيمُونَ فِيهَا الْمَآتِمَ، وَعَامَّتُكُمْ قَدْ تَرَكُوا كَثِيرًا مِنْ دِينِهِمْ بِمَا لَا يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ فِي وُجُوهِكُمْ، وَلَا يَتَغَيَّرُ حَالُكُمْ، إِنِّي لَأَرَى اللَّهَ قَدْ تَبَرَّأَ مِنْكُمْ، يَلْقَى بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِالسُّرُورِ، وَكُلُّكُمْ يَكْرَهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ صَاحِبَهُ بِمَا يَكْرَهُ مَخَافَةَ أَنْ يَسْتَقْبِلَهُ صَاحِبُهُ بِمِثْلِهِ، فَأَصْبَحْتُمْ عَلَى الْغِلِّ، وَنَبَتَتْ مَرَاعِيكُمْ عَلَى الدِّمَنِ، وَتَصَافَيْتُمْ عَلَى رَفْضِ الْأَجَلِ، لَوَدِدْتُ ⦗٢١٨⦘ أَنَّ اللَّهَ أَرَاحَنِي مِنْكُمْ، وَأَلْحَقَنِي بِمَنْ أُحِبُّ رُؤْيَتَهُ، وَلَوْ كَانَ حَيًّا لَمْ يُصَابِرْكُمْ، فَإِنْ كَانَ فِيكُمْ خَيْرٌ أَسْمَعْتُكُمْ، وَإِنْ تَطْلُبُوا مَا عِنْدَ اللَّهِ تَجِدُوهُ يَسِيرًا، وَبِاللَّهِ أَسْتَعِينُ عَلَى نَفْسِي وَعَلَيْكُمْ "
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute