للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فأعياهم المراد، وكان في بلده بهلول يتردد إليه ويدخل في أكثر أوقاته عليه فدخل عليه ذات يوم من الأيام وهو في حالة لا تسر صديقاً ولا ترضي جاهلاً ولا رفيقاً فسأله البهلول عن حاله وما أوجب توزع باله وتفسير أقواله وأفعاله وخطاباته وأحواله، فقال: يا بهلول عدمت ولدي قرة عيني وراحة روحي وجسدي ولا صبر لي على فراقه ولا لقلبي معين على لهب احتراقه فقال له البهلول: يا أخي إن عيسى عليه السلام شكى إليه بعض أصحابه ما تشكوه أنت، فقال له عيسى عليه السلام: كن لربك كالحمام الألف يذبحون فراخه ولا يطير عنهم، ثم قال البهلول لكسرى: وأنا أسألك سؤالاً فأجبني عنه بجواب شافي إن كنت ترجو أن ذكرك لا يموت، قال كسرى: ولكن أردته يعيش ليمتع بحياته ويتلذذ بطيب المآكل والمشرب ونعيم الدنيا برهة ثم يقضي نحبه، قال بهلول: هب أنه عاش الأجل الذي كنت تريد أن يعيشه أفكان يذهب معه من طيب عيشه شيء أو يغني عنه شيئاً حين فراقه قال: لا قال: فلا فرق الآن بين طويل عمره وقصيره وكثير تمتعه ويسيره كما قيل:

وإذا كان منتهى الأعمار موتاً ... فسواء طويله والقصير

أو كما قيل:

فعش ما شئت في الدنيا وأدرك ... بها ما شئت من صيت وفوت

فحبل العيش موصول بقطع ... وخيط العمر معقود بموت

فهب أنه عاش ما أردته يعيش ويأكل ما أردته يأكل ويتنعم ما أردته يتنعم ما آخر ذلك؟ قال: الموت والفوت قال: فهو الآن كغد قال كسرى: نعم الناصح أنت وسكن بعض ما يجده فقال المدبر: ثلاثة أشياء ينبغي أن يتفكر الإنسان في عواقبها، الأول: سفر البحر

<<  <   >  >>