فإن طالب الجواهر النفيسة والأموال الكثيرة يركب البحر ولا يتفكر في الغرق، الثاني: المقدم على الحرب ومقارعة الأبطال لا يتفكر في الكسرة والجراح والموت، الثالث طالب الرياسة والملك لا يتفكر في اقتحام الأخطار والمشاق كما قيل:
بقدر الكد تكتسب المعالي ... ومن طلب العلا سهر الليالي
تروم العز ثم تنام ليلاً ... بغوص البحر من طلب اللآلي
وقال غيره:
إذا المرء ألقى بين عينه عزمه ... تنكب عن ذكر العواقب جانبا
قال المقبل قال الله تعالى:(وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم أولو الألباب) المميزون بين الخطأ والصواب الناظرون في أوائل الأمور عواقبها آمنون من النوازل في تجشها حتى قالوا إن الثعلب المتأني في بيته المتحصن داخل جداره له قوة الأسد الآتي من خارج ولا شك أن انزعاج العساكر المتوجهة إلى قتال من هو ساكن في بيته متحصن في قلعته غير محتاج إلى إخراج أموال وإزعاج رجال وتحمل أخطار وتحتم أسفار ليس من رأي الصواب لأنه موجب لأخذ صغار تحت الأقدام وهدم دور وقطع أرحام وبذل أموال وفقد جملة من الرجال، ومع هذا فحصول المقصود أمر متوهم فإن حصل فقد مر لأنه لا ثبات فيه ولا تمتع وإن لم يحصل فكم من دماء تراق وكانت مصونة وأموال تهلك وكانت مضمونة وأعراض تهتك وقد كانت مختومة وأنفس تذل وكانت عزيز مكرومة، بل ربما اتفق أن من نجا برأسه ربح وإنما قررت هذا التقرير لأن العاقل كما يحسب حساب الربح يحسب حساب الخسارة وكما يتصور الجيد يتصور الردي وهذا كله من العاجلة فضلاً عن المحذورات الآجلة ومن غضب الله وعقابه وتوبيخه وأليم عذابه والعياذ بالله