تعالى إذا أخرج الأمر من اليد وذهب المال والرجال فأي حرمة تبقى له من الهيبة بين الرجال وكيف يستقر ملكه أو يدور عليه سعد فلكه فلا تخافه الرعية ولا يرجونه ولا يسمعون كلامه ولا يطيعونه ويصير كالسحاب الخلب لا يوثق منه بوعد ولا يحصل منه مطلب لفرد أو وفد، إن تكلم أبوا كلامه وإن حكم تقضوا أحكامه وإن حلم عنهم قالوا عاجز وإن تقدم في الحرب قالوا معتوه مبارز وأما الغني فهو على غير هذه الأحوال لأنه إن زاول أدنى فعل رفعت إليه بسببه العيون وكان من بينهم هو الأجل العظيم فإن أعطى قليلاً استصغروا حاتماً عنده وأطنبوا بلسان شافي في شكرهم رفده وإن بخل عليهم قالوا مدير غير مضيع ماله وإن كذب صدقوا مقاله واستصوبوا حركاته وترشفوا كلماته وقد قيل شعر:
إن ضرط الموسر في مجلس ... قيل له يرحمك الله
وإن عطس المعسر في مجمع ... ساءوا وقالوا فيه ما أشناه
فضرطة الموسر عرسه ... وعطسة المعسر مفساه
ولقد نقلت من أقوال الحكماء ونصائح العلماء أن الفقر يشيب الفتيان ومسقم الأصحاب ومبعد الأقارب وقاطع للرحم ومبغض للأحباب، وفي الجملة فالذي يجب على الملك أن يتفكر في مبادئ هذا الأمر ويتأمل في عواقب هذه الحركة ولا يقدم على هذا الأمر ولا يتحرك لهذا الوارد إلا بذهن صافي ورأي كافي ولا يعتمد على الحول والقوة قوة الشوكة وكثرة العدد وإمداد العدد مع عدم الاكتراث بالأخصام وقلة المبالاة بكل أسد ضرغام فإن الأسد سلطان السباع وهو ملك مطاع كثير الجند والاتباع شجاعته مشهورة وبسالته مأسورة به يضرب المثل ويشبه به كل بطل، ونحن إن كانت عساكرنا كالجبال تهدم الحصون وتهلك التلال لكن ما