جربنا مصارعة الأسود ولا مارسنا مقارعة النمور والفهود ولا نعرف طريقة بلادهم ولا طريق جلادهم وإن لهم في الحروب أساليب وفي افتراس الفرائس أنياب ومخاليب، فأخشى أن لا تتم هذه الأمور وتقصر حيالنا عن مصادفة ما لهم من قصور ويرجع وبال هذا الأمر علينا إذ ابتداؤه منسوب لنا وإلينا ولا يحل بنا إلا الندامة والتقريع والتوبيخ والملامة ويخاطبنا القائل بما قيل:
بيني بأنقاض دور الناس مجتهداً ... داراً فتنقض يوماً بعد أيام
قال المدبر: لاشك أن هذا الكلام صادر عن فكر بعيد ورأي سديد وتأمل في العواقب مفيد أصله الحكمة وفرعه الشفقة وثمرته المعرفة والفطنة، ولكن من حين قامت الدنيا لم تزل الملوك تطلب الولايات الواسعة وتقصد الأقاليم الشاسعة وتروم الرفعة على الأقران وعلو المكان بقدر الإمكان وكيف يتصور أن الملك تكون همته أدنى من همة تاجر يطلب الربح لأن التاجر إذا تفكر في لذة الربح ورغب في زيادة المال يضع جميع ماله من مال في سفينة لا عقل لها ويركب هو أيضاً فيها ولا يبالي بالغرق ولا يذكر خوف اتلف ويسلك قياده إلى مصرف الهواء ونفسه وماله إلى حاكم المال ويعمل بموجب ما قيل:
وإنا أناس لا توسط بيننا ... لنا الصدر دون العالمين أو القبر
وأما قولكم إن العساكر تملك البلاد ولا معرفة لهم بمصادمة الأسود ومقاومة تلك الجنود، فأعلم أيها الوزير أن الأسد ملك كاسر وعلى سفك الدماء جاسر لأن في رعيته من أذاه وابكاه في ذروته وأنكاه واسترعاه قسراً واستولى عليه جبراً وقهراً منتظر لبقاء عين الزمان متوقع انقلاب الحدثان مترقب معنى ما قيل إذا لم يكن للمرء في دولة امرءٍ نصيب ولا حظ تمنى زوالها.