ورام بذلك مخلصاً وقصد مأواها ووقف فناداها فخرجت مسرعة إليه وأقبلت بالوداد عليه فرأت العصا بيمينه فعلمت أنه خائن في عهده ناكث في يمينه فولت هاربة فضربها ضربة خائبة لكن جرحها وعمد إلى نفسه ففضحها وتركها وذهب فائزاً بما معه من الذهب.
ففي العام الذي بعده أذن الله وحده أن السلطان رأى مناماً أقلقه ومن نومه أرقه ومن شدة أهواله محاه الوهم من لوح خياله فدعاه هذا المعبر المعهود إليه وقص حاله عليه وطلب منه صورة المنام وما يترتب عليه من الكلام فاستمهله له الأيام المعدودات وقصد رئيسة الحيات وناداها عجلاً ووقف في مقام الاعتذار خجلاً ثم قالت له: أي غدر حلالك ما مضى من عمرك وحلالك وبأي وجه تقابلني وتخاطب وقد خلصتك من المعاطب ثم قابلت بسوء صنيعك إحساني وأذيتني بين أهلي وجيراني ولكن غدرك بك حف فقال: عفى الله عما سلف والصداقة بيننا من اليوم تستأنف ويكون الود ألطف والقلب أرأف ثم أنشأ إيماناً أنه يبدل الإساءة إحساناً وأنه لا يخون ولا يمين فيما يقع عليه العهد واليمين فقالت: أريد جميع الجائزة وأكون بها فائزة فأجاب إلى ما سألت وعاهدها على ذلك فقبلت ثم قالت: رأى الملك السماء تمطر قروداً ونيراناً وثعالب وجرذاناً، وتعبير المنام والله الخبير لعلام أن في هذا العام تكثر اللصوص والخوارج والمعتدون من كل خارج ويظهر في العساكر كل ماكر وشيطان ذاعر ولكن صولة الملك تمحقهم وبوارق سيوفه تصعقهم فأسرع إلى السلطان وأخبره بما رآه في منامه وعبره، فقال له الملك: بالحق أتيت وهذا الذي كنت رأيت ثم أمر له بجائزة سنية وخلعة بهية فصار في عيشة رضية وحالة مرضية ثم سلك طريقته الدنية فلم يلتفت إلى عهوده القوية ونبذ عهد الحية