قيل في الأمثال لا تشفع الشفاعة باللجاج ولا النصيحة بالالتجاج، وأما أنا فقد بذلت جهدي في أداء النصيحة وكشفت عن أركان التحقيق حجب الأستار فإن وقع نصحي في محل القبول فقد تبين الرشد من الغي وإن رددت كلامي وأعرضت عن العمل به فلا إكراه في الدين.
فتصدى الوزير للكلام وكشف عن ثغر بيانه اللثام وبرز في ميدان الملاينة والمخادعة وسلك طريق الملاطفة في المصانعة وقال الحمد لله الذي من على مولانا الملك بهذا الأخ الحكيم الفاضل العليم الناظر في العواقب صاحب الرأي المصيب والفكر الثاقب لقد بالغ في النصيحة بعباراته المليحة وإشاراته الصحيحة، الدالة منه على سلامة القريحة فكل شيء نهاه هو الذي يقتضيه الفعل القويم والمنهج المستقيم ويترتب عليه الذكر الجميل وآثار الثواب الجليل، ولكن الذي نعرفه نحن في حفظ الرياسة وإقامة قانون السياسة هو الذي عليه الناس في هذا اليوم وجرت عليه عوائد الأكابر والأصاغر فإن الزمان قد فسد والخير والفضل فيه قد كسد، وهذا مقتضى الحال بين أبناء الزمان والناس تدور مع زمانهم بقدر إمكانهم وقد قيل: الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم وبعض السياسات تقتضي العقوبة بالتغريم وأخذ المال ولو عفا الإنسان عن مجرم طمع المجرمون فيه وكان كمن عاقب من لا ذنب له فإن وضع الأشياء في محلها هو أحد قوانين الشرع والسياسة وقد قيل:
ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه ... يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم
لا يسلم الشرف من الأذى ... حتى يراق على جوانبه الدم
وقد قيل رب إراقة دم تمنع من إراقة دم وقد قيل:
لعل عتبك محمود عواقبه ... وربما صحت الأجساد بالعلل