أيامه ورفع في ميادين العدل أعلامه بأحسن بشيء أوجب تقرير كلامه لطائفة جنده وخدامه وأنا عندي كلام لم يطلع عليه أحد من الأنام، فلذلك لم ابده بحضرة أحد من الجماعة فربما لم يقصد الملك في ذلك الإذاعة ولا يمكنني إخفاؤه وقد آن إبداؤه وأعلم أيها الملك وقاك الله شر كل مهلك أنه كما أن العالم يستخف الجاهل كذلك الجاهل يزدري العالم العاقل وذلك لقصور فهمه وعدم علمه ووكلما أحاط الخادم بمرتبة مخدومه وزاد على قدره في معلومه ازداد في قلبه وروحه وصارت كؤوس خشيته منادمته له في غبوقه وصبوحه، وقد قال رب الأرض والسماء إنما يخشى الله من عباده العلما وقول النبي صلى الله عليه وسلم أنا أعلمكم بالله وأخشاكم لله إشارة إلى هذا المقام، وقال الشاعر:
على قدر علم المرء يعظم خوفه ... فلا عالم إلا من الله خائف
فآمن مكر الله بالله جاهل ... وخائف مكر الله بالله عارف
وكلما ضعفت مرتبة الخادم بالمخدوم قلت قيمته عنده وهذا أمر معلوم، ثم أعلم أن الجمل لطول الأمل قد اغتر بالملك إذ في ذرى أمره سلك وأحسن إليه غاية الإحسان وصار في عدم الوفاء كالإنسان وحصل له من صورة غضبه الأمان فجهل قدره وعدى طورهن وفي ذلك قال الشاعر:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ... وإن أكرمت اللئيم تمردا
فوضع الندا في موضع السيف بالعدا ... مضر كوضع السيف في موضع الندا
وقد قال الله تعالى: إن الإنسان ليطغى أن رآه استغني وكل نفس لا تحتمل صنع الجميل وحوصلة العصفور لا تسع اللقمة التي يبتلعها الفيل. وناهيك بما قد قيل في بعض الأقاويل عن حماقة كل