للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

طويل فلا جرم في فساد دماغه حين حصل على فراغه وتطاولت نفسه في سراها إلى أشياء لا يمكن إفشاها لأن ذكرها قبيح والكناية أبلغ من التصريح. فلما سمع الأسد هذا المقال والبيان علم ببديهة العقل أنه زور ومحال وبهتان ثم أرسل إلى الغراب ليميز الخطأ من الصواب ويبين القشر من اللباب والماء من الحباب فاستدعاه إلى حضرته وجلا صورة هذا القول على مراتب فكرته فقال الغراب: ضميرك المبارك في حل هذا المشكل لا يشارك فإنه حلال المشكلات موضح المعضلات، وأما أنا فلا أقبل هذا الكلام ولا يقبل في الجمل عندي ما فإني أعرف تواضعه وسكنته وصبره واحتماله وطاعته وإخلاصه وقناعته وأنه صادق في محبته مخلص في هبوديته فاعرف أن خوفه من الملك غالب على رجائه وأنه مقيم على سنن عهوده ووفائه ولو أراد الذهاب لذهب بسلام فلا في وطيفته قيد ولا في وتيرته حزام، ثم قال الغراب والغالب على ظن ذوي الألباب أن الدب قصد بإلقاء الفتنة إلقاء الجمل في الجب فالملك لا يبادر في هذه القضية حتى يتبصر الأمر على حقيقة جلية وحاشاه أن يفرط في عبيده المخلصين من غير أن يتدبر أمرهم بيقين، فالملك يختلي بعبده أبي أيوب ويستكشف منه أستار العيوب بعد استجلاب خاطره وتطييب ضمائره وسرائره فاستصوب. الأسد هذا الفضل واستخلى بالجمل ليقف منه على الأصل ويسكن جأشه وأزال بلطف الكلام الجأشه وشكر في خدمته مساعيه وطلب بملاطفته مراضيه ثم طلب من الجمل تفصيل ما بلغه من جهل وأكد قوله بالإيمان أنه لو صدر منه تقصير ونقصان فإنه قد عفا عن هفواته ولا يطالبه أبداً بذلاته فيطلقه على كيفية الحال ويذكر ما دفع منه من فعل وقال، فافتكر الجمل في معاهدته مع الدب وأنه لا يفشي سره لأحد وشهد بذلك الرب وقال: إن

<<  <   >  >>