بعالم أيهما المظلوم وأيهما الظالم فقال الفأرة أسألك يا ذا الشطارة والذكاء والمهارة أن ترجح لأحدهما الجانب وتبين الصادق من الكاذب وتبين المرضى عنه والمغضوب عليه تطلعني على ذلك لأنظر إليه فقال الساحر للفأرة: لقد فهمت عنك الإشارة أن لك إطلاعاً على هذا الأمر وفرقاً جلياً بين التمر والجمر فإن كنت شممت من ذلك روائح فبادري بأداء تلك النصائح فإن قولك مقبول ولك الفضل على الفضول ولا تقصدي بهذا الإرشاد إلا مصلحة العباد وكشف الغمة وبراءة الذمة وردع الظالم وخلاص ذمة الحاكم قالت الفأرة لا أقصد الإصلاح ذات البين وشمولها بطاعة الملك حتى يصيرا متحابين ويرتفع النكد ويحصل رضاء الأسد ويزول الضرر والضمير ويختم عاقبتهما بالخير قالت لقد سمعت من العلما ونصائح الحكما ومقالات ذوي الآراء قالوا لا يتكلم في أمور الملك بيضاء ولا سوداء وابن الجرزان من الأسد والقطران من الشهد قال الساحر: لا تقولي ذلك ولا تستحقري بحالح ودونك القول الصادر الذي قاله الشاعر:
لا تحقرن الرأي وهو موافق ... حكيك الصواب إذا أتى من ناقص
فالدر وهو أجل شيء يقتنى ... ما حط قيمته هوان الغائص
وقال الآخر:
لا تحقر الرأي يأتيك الحقير به ... فالنحل وهو ذباب طائر العسل