هذا فطريق المعاشرة وسبيل المباشرة مع العقلاء وذوي الآراء الزكية في العداوة والبغضا والصداقة والكدورة والرياقه واللطافة والكثافة والخوف والرجا والانتهاء والابتداء إنما هو من باب واحد لا من طرق متعددة. ولأجل هذا ملوك هذا الطريق الأمر معهم متيسر لا متعذر ولا متعسر وإن خيط هذه السموط بالاستقامة مضبوط وبالصلاح مربوط بخلاف الجهال والخلعا والحمقى والسفها فإن أمورهم متفرطة وأفكارهم وآراؤهم غير منضبطة فتكد خواطر العقلاء في تعليمهم وتعيى طبيب الفكر في معالجة أخفهم وإصلاح سعيهم كما قيل:
إني لآمن من عدو عاقل ... وأخاف خل يعتريه جنون
والعقل زين للفتى وطريقه ... نجح وخير والجنون فنون
ولهذا قيل: معادات العاقل خير من مصادقة الجاهل، ثم قالت الأنثى: أما سمعت حديث أشرف الإنسان سيد ولد عدنان الذي خلقت من أجل الأكوان "حب الوطن من الإيمان" وقد ألفنا وطننا وحبه وقطع أصول محبتنا صعبة خصوصا وهو في معزل عن طرق الجوارح ومكن عن طوارق السوانح والبوارح، وإنما تعرض لأولادنا تلك الآفات والعاضة من تراكم العساكر وما يحصل من إقدامها من الكثافة وأخاف إن انتقلنا من هذا الوطن يخرج من أيدينا هذا السكن ولا نحصل على مأوى يليق ولا توافقنا الغربة أو يمنع مانع في الطريق فنقصد الريح فيذهب راس المال فنخسر ما في أيدينا في الحال ولا يحصل المأوى في الاستقبال كيف وهو مسقط رأسنا ومحل أنسنا وإيناسنا؟ فالأولى لنا الرضى والانقياد لأوامر القضا وملازمة الوطن القديم والسكون تحت تقدير العزيز العليم، وقد قيل إنما يشفى العليل إذا ترك مشتهيات نفسه وقيد متمنياته في حبسه