للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولا بد للمرء في بلوغ المنى من ترك المراد والقانع من قطع النظر عن الازدياد وقد قيل الحزم رفض الشهوات وكل ما هو آت آت. وإنما وقائع الأنكاد من جهة الأولاد وما يقع منها من كل عام فتجيبها إحدى ما يقع من نوايب الأيام ونحن بل كل المخلوقات عرضة للنوايت والآفات وطعمة للمقدور وحوادث الدهور ولو انتقلنا من الوطن وتحولنا عن هذا السكن وبعدنا عن الأقارب وجاورنا الأعداء والأجانب ونزعنا عن الحبايب ومعارفنا من الأجانب لا يطيب لنا مقام وتتكدر أوقاتنا على ممر الأيام ولا نزال بين تذكر الوطن المألوف والتحنن إلى رؤية الصاحب الألوف، فتسهيل هذه الأنكاد مفارقة الأولاد. واعلم أنه لو تيسر لما مع الانتقال انتظام الأمور واستقامة الأحوال وحصلت الأولاد وزالت الأنكاد وصفا الوقت بزوال المقت فإن الخاطر يشتغل من حين وجدان الولد ويتعلق بمصالحه القلب والجسد وتصرف الهمة إلى القيام بمصالح إلى حين ترعرعه وارتياشه ويتعلق القلب بمحبته والإلتفات إلى عمل مصلحته ويزداد ذلك يوما فيوما وشهرا وشهرا وعاما فعاما فإن أدركه والعياذ بالله من ذلك ألم أو أصابه ضرر أو سقم التهبت عليه الجوارح واستولت به الهموم على القلب والجوارح، فإن آل إلى الموت واستحال إلى الفوت فهو المصيبة العظمى والطامة الكبرى وإن سلم من هذه العاهات وبلغ سالما من هذه المخالفات فتزداد كلفته وتتضاعف مؤنته ويركب والده في ذلك كل صعب وذلول ويذهبان في مذهب في كل عرض وطول ويكتسبان من الحلال والحرام ويتحملان المشاق والآثام، هذا إذا كان مطيعا ولأبويه منقادا سميعا وأما إذا ركب جموح العقوق ونسي ما لهما عليه من الحقوق فهي مصيبة أخرى وداهية كبرى ويصير كما قيل:

ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى ... عدوا له ما من صداقته بد

<<  <   >  >>