فيقيض له المساعدة والمعاضد فلا يحتاج إلى سعي ولا في استماع النصيحة إلى وعي بل يصل إلى قصده بدون كده وبغير جهده وعده وعدده، ومنهم من يحتاج إلى سعي بليغ وجهد طويل سبيغ ومساعدة ناصح ومعاون صالح وقرع أبواب وتعاطي أسباب وسعد رقيق وفكر دقيق حتى يبلغ مراده ويدرك ما أراده، ومنهم من تغلب عليه العجلة والطمع والشره والحرص والهلع فيسارع إلى نيل ما يرومه فيلقيه في عائق الحرمان حرصه وشؤمه فيقع من التعب في هويته ويحرم لكونه اعتمد على حوله وقولته فيصير كما قيل:
بالحرص فوتني دهري فوائده ... فكل من زاد حرصا زيد تفريطا
ومنهم من يتمنى ثم يتكاسل ويتوقع ثم يتساهل فيحرم من مقصده ويرده عجزه عن مراده ويده فانظر يا ذا السكون والوقار والركون نحن من أي الأقسام نكون وأنت تعلم أنا لا نقدر على مقاومة العقاب ولا على أن ندفع عن أنفسنا ما ينزل بنا من عقاب فإنه إذا طار العقاب يبلغ الثريا والسحاب ونحن إذا تحركنا في الثرى لا نقدر أن نرتفع عن الثرى قيد لوا، وقد قيل في المثل أين الثرى من الثريا وأين العادل ممن اشتد بغيا بغياً وقد قيل كل من تعلق بخصم هو أقوى منه فقد سعى في هلاك نفسه بيده كما قيل:
ومن يشبشم بالعداوة كفه ... بأكبر منه فهو لا شك هالك
وكان مثله كمثل النملة الضعيفة التي ينبت لها أجنحة خفيفة فتحركها دواعي الطيران فتصور في نفسها أنها صارت من النسور والعقبان فبمجرد ما ترتفع عن الثرى إلى الهواء التقفها عصفور واختطفها أصغر الطيور ولهذا قيل:
إذا ما أراد الله إهلاك نملة ... أطار جناحيها فتسقط في المعطب