ونحن ليس لنا اطلاع على مكامن الغيب فتره نفسك عن حوادث هواجس الريب وليس لنا مساعد من الأقارب والأباعد ولا لنا خيل ولا مال ولا عدة ولا رجال ونحن أقل من أن يساعفنا زمان أو يعيننا على العقاب أعوان فلم يبق لنا إلا الركون تحت حركات السكون وانتظار ما سيكون، إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، واعلم أن حركاتنا مع العقاب والجامع لنا معه من الأسباب متحدة في الحقيقة وطريقتنا معه من جنس ذي طريقه وهي الطيرية وكلنا فيها سوية وهم منها كإعجاز القرآن من الفصاحة في الطرف الأعلى ونحن منها كأصوات الحيوانات في أدنى الأدنى من العلا فالأولى بحالنا الاصطبار من غير ريب إلى أن يصل لكسرنا الجبر من عالم الغيب كما قيل:
مهلا أبا الصقر كم من طائر ... يحوم يلقى بعد تحليق
زوجت نعمى لم تكن كفؤها ... إذنها الله بالتطليق
وقيل في هذا المعنى أيضاً:
الأمر يحدث بعده أمر ... والعسر مقترن به اليسرد
وحلاوة الصبيان من عسل ... وحلاوة الشجعان من صبر
والصبر يأتي بعده نعم ... تأتيك مقرونة الشكر
وقال الآخر من هذا المعنى:
اصبر على ما جرى من اسبق قدما ... فمركب الصبر بالآمال ملتحقه
خوفا من أن تقع مع من هو أشد منا ونعانيه ونأمل التخلص من ييديه حمقا وجهلا لا تفضلا وفضلا كما وقع الثعلب الجائع المجهود مع الجمل الموجود قال: كيف كانت تلك الحكاية؟ أخبريني بها لعل أن تزول عنا بسببها النكاية.
قالت: حكي أن ثعلبا اتخذ له وكرا في روض بهي ذا منظر