أعلم يا ملك الزمان أن الملك العادل أنوشروان كان بنى أساس مملكته على العدل وعامل رعيته بالإحسان والفضل ويكفيه من الفضائل والشمائل قول سيد الأواخر والأوائل: ولدت في زمن الملك العادل وأنعم بها من مقالة أكرم قائل وقال الرحمن في محكم القرآن أن الله يأمر بالعدل والإحسان وقد قيل في الأقوال لا ملك إلا بالرجال ولا رجال إلا بالمال ولا مال إلا بالعدل ولا ملك إلا بالفضل، ومن أقوى الصفات العدلية عمارة بلاد المرعية وبذل الجهد في العمارة ليكثر الربح وتقل الخسارة فإذا غمرت البلاد وترممت الطرق والتلاد وكثرت الرجال حصلت الأموال.
ولقد بلغني أيضاً يا ملك الزمان أن الملك أنوشروان كان ماراً في سيرانه بين جنده وأعوانه إذ رأى شيخاً كأن قامته قوس من خيزران وقد نثر الزمان على رأسه ووجهه أبيض القطان وهو في بعض البساتين يغرس قضيب تين العناء هارب من انحناء قامته وبياض هامته على شدة حرصه وتصبه في نصبه وغرسه، فقال له يا ذا التجارب ومن هو من شرك العنا فهارب إلى متى ترتع في ميادين الأمل وقد تطوفت بشائبة الأجل وأركان جسدك واهية وتغرس وإعجاز نخل بدنك خاوية نسيم طرواتك تبدل بعواصف الذبول وقوى عبالتك ذرها عواصف النحول! أما آن أن تغرس للآخرة وقد كنت عظاماً نخره فقال له الشيخ: أيها الملك العادل والسلطان الفاضل الكامل قد تسلمناها عامرة فلا نسلمها إلا عامرة وقد غرسوا وأكلنا ونغرس ويأكلون وفي الحقيقة كلنا زارعون وغارسون:
لقد غرسوا حتى أكلنا وإننا ... لنغرس حتى يأكل الناس بعدنا
وأبعد فلاح عن الرشد والفلاح من يستلك الدثور ويتركه وهوبور، فأعجب الملك من وفور عقل الفاني وحسن خطابه