وكلمة الحجر، وآمن به المدر، وانشق له القمر، ولبت دعوته الشجر، واستجار به الجمل، وشكى له شدة العمل، وسبح في كفه الحصا، ونبع من بين أصابعه زلال الماء وصدقه ضب البرية، وخاطبته الشاة المصلية، صلى الله عليه وسلم صلاة تنطق بالإخلاص، يوم يخلص الشاة القرنا القصاص، وعلى آله وأصحابه أسود المعارك، وشموس المسالك، أصحاب الأنفاس الطاهرة والمفاخر الباطنة والظاهرة، وسلم تسليماً كثيراً آمنين.
أما بعد فإن الله تعالى أودع في كل ذرة من مخلوقاته من الحكم والعبر ما لا يدركه عقول البلغا ولا يحيط به فهم الأذكيا لكن بعض الحكم والعبر ظاهرة يدركها كل أحد قال تعالى:(وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون) وقال تعالى: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم) . وقال تعالى:(إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التيتجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون) وفي ذلك قيل:
فيا عجباً يعصي الإله أم كيف يجحده الجاحد ... وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد
ولكن لما كثرت الآيات والحكم وترادفت هذه العجائب والعبر اعتادت النفوس بها وألفتها فلم تتدبر في حكمها ومعانيها ولا فيما دلت عليه من عجائب ما فيها ولم تنظر إلى حسن مواقعها وعظم منافعها. وكثر في التنبيه على ذلك أقوال الحكما وتكررت مقالات العلما فلم تصغ الأسماع إليها فقصدت طائفة من الأذكيا وجماعة من العقلا أبرار شيء من ذلك على ألسنة الوحوش والبهايم وسائر الطيور والسباع لتميل النفوس إليها لأن البهائم والوحوش غير معتادة بشيء من الحكم بل ولا النطق والقول فإذا أسند إليها شيء من ذلك مالت إليه النفس لغرابته ورغبت في سماعه وتلقته بالإصغاء والقبول فربما تنبهت لذلك لإصلاح أمور معاشها ومعادها