وإنما أوردت هذا المثل لتعلم أن يكون في هذه الوحوش من لم يكن له إطلاع على صلحنا وتوافقنا فبمجرد ما ينظرنا يتخلف أو يهرب فيحصل لغيره بسببه قتل ويقع خلل فيما أمرنا به، فالمصلحة تقتضي أن تذهب الحمامة إليهم وتشهر الندا والأمان والاطمئنان حتى يطلع على هذا الأمر كل واحد منهم ثم تتوجه أنت ورؤوس الحاضرين وتجتمع بطوائفهم وتقرر معهم الأمور بحيث تطيب خواطرهم ولا يقع منهم شيء تختل به القاعدة، فتوجه الوزير ورؤساء الجند للملاقاة وقد سبقت الحمامة وأشهرت المناداة حسبما ذكر ثم وصل الوزير مع رؤساء الجند ولاقى الحيوانات والوحوش وتسامع بذلك سكان الصحارى والقفار والجبال وسكان الفلاة والغابات والأحجار، ثم أقبلوا يسعون جميعاً إلى خدمة الزكي فأنزل كلاً منهم في محله وأقام كلاً منهم في وظيفته ليعمل فيها بالإخلاص والنصح واستقام له الأمر بواسطة عدله فيهم وإصابة رأي وزيره.
وفائدة هذا المثل أنه ينبغي لأشرف المخلوقات وهم جنس بني آدم أن ينتبهوا لمثل هذه الأمور وما احتوت عليه من رموز الإشارات ويسلكوا إذا سادوا ورأسوا ويتأملوا أن مثل هذه الأشياء إذا كانت صادرة عن الكلاب التي هي من أحسن المخلوقات فبالطريق الأولى أن يتلبس بها أشرف المخلوقات الذي رفع الله مقداره بقوله تعالى: ولقد كرمنا بني آدم وأي إكرام أحسن من العقل وأفضل من عدل الملوك الذين ملكهم الله تعالى رقاب المخلوقات وحكمهم في أموالهم ولابد يسألهم عنهم لأن كل راع مسؤول عن رعيته وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا المعللون.