خاتمة: اعلم أن هذا الحديث, ومما قدمناه من الكلام على الإخلاص الذي هو تجريد العمل لله , الذي هو حق له على الاختصاص من العمل المتقبل لابد له من شرطين, بإجماع أهل العلم من غير نزاع ولا مين:
أحدهما: أن يكون خالصا لله وحده.
والثاني: أن يكون موافقا للشريعة.
كما نطقت بذلك الآيات المحكمات الصريحة, والأحاديث المشهورة الصحيحة, فمتى كان العمل خالصا لله تعالى ولم يكن صوابا, صار ذلك على القطع سرابا, أو كان موافقا للشريعة ولكنه غير خاص لوجه الله الكريم, فهو رد على الشريك؛ لأن الله خير قسيم.
فتبين من هذا أن عمل غلاة أهل الطريقة الصوفية, ممن تعبد لله على جهالة, أنه لا شك سفه وضلالة؛ بل هو فعل الرهبان, الذين كذبوا الرسل وأنكروا القرآن, ولو فرض أنهم فيه مخلصون, فهو غير مقبول؛ لعدم موافقة هدي الرسول.
فمن تدبر أحوال أهواء المنتسبين إلى الصوفية, وما ابتدعوه من الرهبانية, رآه في الحقيقة خرقا للسنة السنية, فأعمالهم مثل أعمال الرهبان, الذين أخبر الله تعالى عنهم في القرآن فقال جل جلاله: {وَقَدِمْنَا إِلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} (الفرقان:٢٣) وقال عز وجل {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ} (النور: من الآية ٣٩) وقال سبحانه وتعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلةٌ نَاصِبَةٌ تَصْلى نَاراً حَامِيَةً تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ} (الغاشية٦-٥) فقد تأولها بعض السلف على ما ذكرته (١) .
(١) منهم عمر, انظر: تفسير ابن كثير (١/١٥٤) .