فأين حال هؤلاء الذين خرقوا منهاج هذه الملة, وخرجوا من واضحها إلى الهواء والبدع المضلة, من حال من قال الله تعالى:{بَلى مَنْ أَسْلمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَليْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}(البقرة:١١٢) ؟.
قال سعيد بن جبير {بَلى مَنْ أَسْلمَ} أي: أخلص {وَجْهَهُ} , أي: دينه {وَهُوَ مُحْسِنٌ} أي: متبع الرسول صلى الله عليه وسلم وكذا قال غيره. وقيل: أخلص العمل لله وحده لا شريك له.
وأما إن كان العمل موافقا للشريعة في الصورة الظاهرة, ولكن عامله لم يخلص القصد لله تعالى, فعمله أيضا مردود, وهذه حال المرائين والمنافقين. قال الله جل جلاله:{إِن الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً}(النساء:١٤٢) وقال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}(الماعون ٤-٧) وقال سبحانه وتعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}(الكهف: من الآية ١١٠) .
وقد ضمن عز وجل لمن أخلص العمل وأحسنه الأجور, وأمنهم من كل مكروه ومحذور, فلا يجول ذلك لهم في صدور, ولا يحول ما هم فيه من الحبور, ولا يزول ما آتوا من البشرى والأنس والسرور, {خَوْفٌ عَليْهِم}(البقرة: من الآية ٣٨) فيما يستقبلونه, {وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} على ما مضى مما يتركونه.