وقوله صلى الله عليه وسلم: "فمن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا, فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي, عضوا عليها بالنواجذ".
هذا إخبار منه صلى الله عليه وسلم بما وقع في أمته بعده من كثرة الاختلاف في أصول الدين وفروعه, وفي الأقوال والأعمال والاعتقادات, وهذا موافق لما روي عنه من افتراق أمته على بضع وسبعين فرقة, وأنها كلها في النار إلا فرقة واحدة وهي من كان على ما هو عليه وأصحابه. وكذلك في هذا الحديث الأمر عند الاختلاف والافتراق بالتمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده.
والسنة هي: الطريقة المسلوكة, فيشمل ذلك التمسك بما كان عليه هو وخلفاؤه الراشدون من الاعتقادات والأعمال والأقوال, وهذه هي السنة الكاملة. ولهذا كان السلف قديما لا يطلقون السنة إلا على ما يشمل ذلك, وكثير من العلماء المتأخرين يخص اسم السنة بما يتعلق بالاعتقادات؛ لأنها أصل الدين, والمخالف على خطر عظيم.
وفي ذكر هذا الكلام بعد الأمر بالسمع والطاعة لأولي الأمر إشارة إلى أنه لا طاعة لأولي الأمر إلا في طاعة الله تعالى, كما صح عنه أنه قال: "إنما الطاعة في المعروف" (١) .
وفي المسند عن انس أن معاذ بن جبل قال: يا رسول الله, أرأيت إن كانت علينا أمراء لا يستنون بسنتك, ولا يأخذون بأمرك, فما تأمر في أمرهم؟ فقال: "سيلي أموركم بعدي رجال يطفئون من السنة, ويعملون بالبدعة, ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها" فقلت: يا رسول الله, إن
(١) رواه البخاري (٤٣٤٠) ومسلم (١٨٤٠) من حديث علي رضي الله عنه.