ومن المعلوم أن الموت انتقال من دار إلى دار, ومن حال إلى حال, ونعوذ بالله من حال أهل النار, وأن أرواح الأنبياء والشهداء, والصديقين والسعداء, في الرفيق الأعلى قرارها, ومسرحها رياض الجنات وأنوارها, وروحه الشريفة صلى الله عليه وسلم في أعلى مكان, من تلك الجنان, في جوار الرحمن, فتلك الأرواح قد فارقت الأشباح, ولزمت الملأ الأعلى ليس لها عنه من براح {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} (الفجر:٢٨) وهذه والله هي العيشة الهنية, غير أن لها اتصالا بأجسامها السفلية, وبهذا الاتصال والتعلق منها بالأجسام يحصل النعيم في الضريح للأبدان, المصرح به في القرآن, ومنه يحصل لنبينا عليه الصلاة والسلام رده على من سلم عليه السلام, فهذه الحياة لها شأن, وللحياة الدنيوية شأن أي شأن, ولو ساوت الحياة البرزخية, حقيقة الحياة الدنيوية, لزم مساواة الحادث للقديم, وتعالى عن ذلك الحي الباقي الوارث الحكيم, والمبين للأمة أحكام التنزيل, هو الذي تلقيت عنه هذه الأحوال كلها على الإجمال والتفصيل, وهو الذي بين شفاعة الأنبياء والمرسلين, والشهداء والملائكة والصالحين, وقد قاتل من تعلق بهؤلاء من المشركين, فهلا فرق في القضية بين طالب الشفاعة من الأصنام وطالبها من صفوة البرية, وما ذكر الله تعالى في كتابه من الآيات, إعلاما لنبيه صلى الله عليه وسلم بحصول حقيقة الممات, بخطاب التخصيص له والتعميم لسائر البريات, وإخباره عن نفسه بذلك, وأنه بشر لا بد من سلوكه في هذه المسالك, وطلب فاطمة رضي الله عنها الميراث (١) , واختلاف أصحابه
(١) رواه البخاري (٢٩٢٦) ومسلم (١٧٥٩) .