وبعد هذه الجهود المباركة جاءت على المسلمين فترة ضعف خفتت فيها تلك الجذوة الوهاجة التي شهدتها القرون السابقة، فضعف التأليف في العلوم عامة، وفي علوم القرآن خاصة، ولم يظهر في العالم الإسلامي الواسع من المصنفات إلا اليسير النادر بين الفينة والفينة، يعتمد مؤلفوها على جهود سابقيهم ومصنفاتهم، فغلب على مؤلفاتهم النادرة صبغة الاختصار حيناً، والشرح والتبسيط حيناً آخر، وقد دامت مدة الفتور هذه أكثر من ثلاثة قرون، ولعل أسبابه تعود إلى ما تعرض له العالم الإسلامي من كيد الأعداء، والضربات الموجعة التي تلقاها في مواطن عديدة من دياره، كان أقواها تلك الحملة الصليبية الشرسة التي نكبت بديار الأندلس في المغرب العربي، والأندلس كما هو معروف مركز من مراكز الإشعاع الحضاري والعلمي الذي مد العالم الإسلامي خلال القرون الماضية بنخبة من المفسرين الذين لا يشق لهم غبار، بل يستطيع المرء أن يقرر هنا أن التفسير وعلوم القرآن والقراءات نضج واستوى على سوقه بالصورة المشرقة التي نراها من خلال جهود المفسرين والقراء من الديار المغربية وعلمائها، وبخاصة أهل الأندلس، غير أن الهجمة التي تعرض لها أرض العلم ومأوى العلماء في الأندلس، والاحتلال الذي اغتصب أرض الخير هناك، جعل العلماء الذين هم القادة ينصرفون عن التعليم ليحملوا السلاح، وليدافعوا عن ديار الإسلام لتطهير الأراضي كما كانوا يفعلون لتطهير القلوب وحينما سئل المؤرخ الإسلامي الأستاذ محمود شاكر عن سبب فتور العلم في هذه المرحلة، وعدم ظهور المصنفات، لم يتردد في عزو ذلك إلى انشغال العلماء بالجهاد حيث قال: حين سقطت الأندلس عام ٨٩٧هـ وبدأت سيطرة النصارى توجه العلماء وطلبة