يعتقده وينتحله، غير أنَّ الله أبى أن يكون الحق والعقيدة الصحيحة إلا مع أهل الحديث والآثار؛ لأنَّهم أخذوا دينهم، وعقائدهم خلفاً عن سلف وقرناً عن قرن، إلى أن انتهوا إلى التابعين، وأخذه التابعون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا طريق إلى معرفة ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس من الدين المستقيم، والصراط القويم، إلا هذا الطريق الذي سلكه أصحاب الحديث، وأما سائر الفرق فطلبوا الدين لا بطريقه؛ لأنَّهم رجعوا إلى معقولهم وخواطرهم وآرائهم، فطلبوا الدين من قبله، فإذا سمعوا شيئاً من الكتاب والسنة عرضوه على معيار عقولهم فإن استقام قبلوه، وإن لم يستقم في ميزان عقولهم ردوه، فإن اضطروا إلى قبوله حرَّفوه بالتأويلات البعيدة والمعاني المستكرهة، فحادوا عن الحق وزاغوا عنه ونبذوا الدين وراء ظهورهم وجعلوا السنة تحت أقدامهم تعالى الله عما يصفون.
وأمَّا أهل الحق فجعلوا الكتاب والسنة إمامهم، وطلبوا الدين من قبلهما، وما وقع لهما من معقولهم وخواطرهم عرضوه على الكتاب والسنة فإن وجدوه موافقاً لهما قبلوه، وشكروا الله حيث أراهم ذلك ووفقهم إليه، وإن وجدوه مخالفاً لهما تركوا ما وقع لهم وأقبلوا على الكتاب والسنة ورجعوا بالتهمة على أنفسهم، فإنَّ الكتاب والسنة لا يهديان إلا إلى الحق، ورأي الإنسان قد يرى الحق وقد يرى الباطل، وهذا معنى قول أبي سليمان الداراني وهو واحد زمانه في المعرفة: ما حدثتني نفسي بشيء إلا طلبت منها شاهدين من الكتاب والسنة، فإن أتى بهما وإلا رددته في نحره، أو كلام هذا معناه.
ومما يدل على أنَّ أهل الحديث هم على الحق أنَّك لو طالعت جميع كتبهم المصنفة من أولهم إلى آخرهم قديمهم وحديثهم مع اختلاف بلدانهم وزمانهم وتباعد ما بينهم في الديار وسكون كل واحد منهم قطراً من الأقطار، وجدتهم